العالم المتحضر الديمقراطي لم يضع نهاية لمسلسل جرائم نظام الخميني في عشرين سنة من القرن الماضي، ويبدو أنه لن يضع لها نهاية في القرن الواحد والعشرين.
 

يواصل النظام الإيراني تحرشاته ومحاولاته المستميتة لإشعال حرب في المنطقة يعتقد مرشدُه الأعلى ومستشاروه العسكريون والمدنيون بأنها مَخرجُه الممكن الوحيد من أزمته الاقتصادية الخانقة، ومن وعزلته السياسية والعسكرية التي وضعه فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحلفاؤه العرب والأوروبيون.

 

والذي يحمل المواطن العربي على الظن السيء بأميركا وأوروبا المتحالفة معها، والاعتقاد بأنهما ليستا جادتين في نزع أظافر هذا النظام وخلع أنيابه ومنعه من المزيد من التهديد والمشاغبة والمشاكسة هو أن كل المُعلَن عنه، هذه الأيام، لا يتعدى البحث عن وسائل تأمين سلامة ناقلات النفط الأميركية والأوروبية في الخليج، وحمايتها من تعديات الحرس الثوري الإيراني، رغم أنه ارتكب أمس، ويرتكب اليوم، وسيرتكب غدا، جرائم اختطافٍ وسطو خطيرة أصابت هيبة القانون الدولي في مقتل، دون عقاب أو حساب.

 

وهذا يدفعنا إلى العودة إلى أصل الجريمة التي ارتكبها الغرب، (الولايات المتحدة وفرنسا بالتحديد)، بإسقاط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، والمساعدة على إقامة جمهورية الخميني السلفية الطائفية المتشددة.

 

هذا مع الإقرار بأن الغزوتين الأميركيتين لأفغانستان وللعراق، والحروب المدمرة الدامية في سوريا واليمن ولبنان وفلسطين، وحرتقات الإيرانيين في البحرين ومصر وليبيا والسودان، لم تكن لتحدث لولا وضع الخميني في مقعد القيادة العليا المطلقة في إيران، وإطلاق نظريته الشريرة المسماة بـ”تصدير الثورة” إلى دول الجوار، والتي كان من ثمارها الأولى كوارث 11 سبتمبر، وما تبعها من جرائم إرهابية متعاقبة ثبت أنه هو المسؤول عن التخطيط لها، وعن تدريب القائمين بها، وتسليحهم وتمويلهم، دون سواه.

 

وحين ندقق في شريط ما حدث منذ ذلك التاريخ، قبل أربعين عاما وحتى اليوم، لا بدّ أن نصل إلى نتيجة مرعبة ملخصها أن هذه الجريمة هي أكثر وأشد وأخطر وأبشع من حروب كوريا وفيتنام، وحتى من قنبلة هيروشيما ذاتها، ومما أنزلته بأهلها من دمار.

 

وذلك لأن تلك الكوارث التاريخية الرهيبة التي شهدتها البشرية في العصر الحديث كان المتضررون بنيرانها، وبالشرر المتطاير منها، رغم كثرتهم وبشاعة صور قتلهم أو حرقهم داخل منازلهم أو مزارعهم، هم الساكنون فقط في ميادين تلك الحروب، مع قليلٍ من المقيمين في دول جوارهم، وفي أمدٍ زمني محدود بسنة أو ببضع سنين.

 

ولكن لو كان ما ارتكبه وما يرتكبه النظام الإيراني من مجازر، وما أشعله، وما يسعى لإشعاله من حروب، وما نشره وما ينشره من مآتم لا يُصيب سوى العرب والإيرانيين وحدهم لتفهمنا أسباب البرود والمماطلة والمداورة التي ينتهجها الغربيون في مواجهته. ولكنه أصاب، وسوف يظل يصيب أقطارا عديدة، وشعوبا أخرى في العالم، ومنها مجتمعات أوروبية كانت حصينة وعصية على التفجيرات والمفخخات والانتحاريين، ومواطنون عسكريون ومدنيون بالآلاف من مواطني تلك الدول التي ساعدت على ولادته، وتعهدته بالرعاية والحنان.

 

والخلاصة أن العالم المتحضر الديمقراطي لم يضع نهاية لمسلسل جرائم نظام الخميني في عشرين سنة من القرن الماضي، ويبدو أنه لن يضع لها نهاية في القرن الواحد والعشرين. رغم أن الحل واضح وأبسط ما يكون، وهو إعانة المعارضة الحداثية الديمقراطية العلمانية الإيرانية على إسقاطه من الداخل، ودفن تاريخه وفكره وعقائده، كافة، وإقامة نظام بديل يؤمن بالوسطية والواقعية والاعتدال، ويقود المجتمع الإيراني إلى عصر التعايش السلمي مع دول المنطقة والعالم، ويُخلّص المواطن الإيراني من أوهام الماضي المتخلف البعيد الذي ما زال بعد 14 قرنا من الزمان ينادي بالثأر لدم الإمام الحسين من ورثة يزيد، وينتظر عودة الإمام المنتظر، ولكن بسفك دماء الملايين من الأبرياء، وزعزعة أمن الشعوب الآمنة، وخراب البيوت.