إعادة النظر بإتفاق الطائف على طاولة البحث ؟
 
المشهد الداخلي المتصاعد في السخونة، والمفتوح على التطورات في المنطقة لا يشير أن البلد سيخرج من حال الفوضى السياسية التي تتفاقم يومياً. 
فبينما الواقع الداخلي مليء بالكثير من الملفات السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية عاد الحديث مجدداً عن حرب صلاحيات على خطوط الرئاسة الأولى من جهة والرئاستين الثانية والثالثة من جهة أخرى. 
الواضح من خلال كل المعطيات التي أفرزتها حركة الاتصالات التي شهدتها الساحة الداخلية في الأيام القليلة الماضية لإيجاد المخرج للمشكلة السياسية الناشبة منذ حادثة البساتين، والتي من شأنها ان تريح الوضع الداخلي المحموم، وتسمح لحكومة الوفاق الوطني المعطلة باستئناف نشاطها كالمعتاد من دون خوف على انفجارها من الداخل.
 
 الواضح ان هذه الاتصالات سقطت كلها نتيجة تمسك رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان وحلفائه من حزب الله والتيار الوطني الحر ومن خلفهما فريق الممانعة بما تعني هذه التسمية بالنسبة إلى اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية بإحالة حادثة البساتين إلى المجلس العدلي . 
ووضع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في قفص الاتهام بأنه وحزبه خططا لضرب السلم الأهلي من خلال محاولة اغتيال وزير وربما أكثر في الحكومة، ورد رئيس التقدمي برفض هذا الشرط وبأن تلصق به هذه التهمة التي لا اساس لها من الصحة وتهدف أولاً وأخيراً إلى محاصرته وتقويض زعامته الوطنية وزعامته الدرزية التي لا يُمكن لأي أحد التشكيك في صحتها، وعلى إيقاع ما آلت إليه الاتصالات، يصح القول بأن الأزمة الحكومية ما زالت تراوح مكانها، وان الدعوة التي كانت متوقعة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، قد رُحلت إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى المبارك. 
 
 
لكن اللافت في هذا السياق ان رئيس الجمهورية، المعني الأول بإيجاد مخرج ينهي هذه الأزمة، مر عليها في خطابه بمناسبة عيد الجيش مروراً عابراً، وركز في موقف لافت على اتفاق الطائف وتمسكه ببنوده وكل مقتضياته ليبعث بذلك برسالة إلى الذين يتهمونه بأنه خرج بالممارسة عن هذا الاتفاق، وعلى رأس المتهمين تيّار المستقبل ومعه دار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين مما يدل على انه، أي رئيس الجمهورية، أدرك ان الأمور بلغت حدوداً، تفرض معها إعادة تصويب البوصلة، قبل أن يفقد زمام المبادرة، وتفلت الأمور من بين يديه، وليتحول لبنان من جديد إلى ساحة سائبة، تتقاذفها التيارات والاهواء المختلفة وتكون نتائجها وبالاً على المسيحيين وعلى الطائفة التي يمثلها في السلطة . 
 
ان هذا الدفع الذي أعطاه رئيس الجمهورية للطائف بعد الممارسات السابقة التي استهدفته شكلاً ومضموناً لم تعد كافية لاقناع الفريق الذي يمثله رئيس الحكومة بأن الطائف ليس أو لم يعد مستهدفاً من قبل رئيس الجمهورية وفريقه، خصوصاً وان هناك أكثر من مؤشر على ان هذا الاتفاق ما زال مستهدفاً، وآخر هذه المؤشرات الرسالة التي بعث بها رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي طالباً منه تفسير الفقرة الثانية من المادة 95 من دستور الطائف والمتعلقة بغير الوظائف القيادية التي نص عليها هذا الدستور، فهل ان الرئيس يقصد من وراء توجيه هذه الرسالة فتح الباب أمام المتضررين لإعادة النظر في هذا الاتفاق، وبالتالي إدخال البلد مجدداً في مشكلة أكبر من المشاكل التي تعرض لها قبل الوصول إلى هذا الاتفاق . 
 
نرجو أن لا يكون الأمر كذلك، وان يكون ما قاله رئيس الجمهورية في مناسبة الاحتفال بعد الجيش يعبّر فعلاً لا قولاً عن تمسكه باتفاق الطائف، وبالتالي تمسكه بالاستقرار وبوحدة لبنان وشعبه في إطار الدستور ووثيقة الوفاق الوطني . 
 
وسط ما تقدم، فإن الأخطر في الواقع، أن الأمور تتجه نحو مذهبة كل المسارات ورفع كل مكون طائفي جدرانا عالية ضد الاخر ولو باساليب غير مباشرة 
وفي هذه الأجواء برز مؤشر اقتصادي غير مطمئن، حيث ارتفعت كلفة التأمين على ديون لبنان السيادية إلى مستوى قياسي بعدما حذر الرئيس عون في كلمته امام تخريج ضباط ، من مغبة ما يُمكن ان تفرضه المؤسسات الدولية من إجراءات مالية قاسية، ما لم يتم تقديم تضحيات لإنقاذ بلاده من ازمتها الاقتصادية، بحسب ما أوردت وكالة رويترز، التي كشفت ان بيانات اي.اتش.اس ماركت أظهرت ان عقود مبادلة مخاطر الائتمان اللبنانية لخمس سنوات ارتفعت إلى 990 نقطة أساس، بزيادة 33 نقطة أساس عن اخر اغلاق ، فاذا كان التقرير المنتظر من الوكالة الدولية للتصنيف ستاندرز اند بورز في 23 آب الجاري، مَحل ترقّب قلق على المستوى الداخلي، إلّا انه من جهة ثانية أثار حالاً من الارباك المُسبق في الاوساط المالية ، بعد ورود إشارات عن تصنيف سلبي للبنان.
 
 وعلم انّ الجهات الرسمية المعنية بالشأنين المالي والاقتصادي، بدأت جهوداً حثيثة في اتجاه وكالة التصنيف المذكورة لحملها على تأجيل إصدار تقريرها. أمّا الأخطر فهو قدرة مصرف لبنان على دعم الليرة، والاستمرار بالتدخل في السوق لتثبيت سعر صرف الليرة في ظل التفكك السياسي وتعطيل الحكومة. وماذا سيفعل هذا المصرف اذا انخفض الاحتياط إلى ما دون الـ25 مليار دولار؟  وماذا سيحصل لو استمر الفراغ الحكومي 6 أشهر أو 7؟وماذا سيحصل في البلد لو لم يحصل اتفاق ؟