في موازاة هذه الصورة، برز موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي دعا في عظة قداس الاحد في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، المسؤولين السياسيين الى «ان يعودوا إلى الدستور والميثاق الوطني بنصّه وروحه، ويتحلّوا بالروح التي تبني كي يسلم ويستقيم الحكم، الذي يحتاج إلى روح تبني، لا إلى نفوذ شخصي يهدم، ولا إلى مصالح فردية وفئوية وحزبية ومذهبية تقسم وتتقاسم الحصص». واعرب عن «تأثره العميق للحالة التي وصل اليها المسؤولون من مشاجرات ومشادات حول صلاحيات المحاكم والسلطات الدستورية».

ما بعد الأضحى
هذه الصورة تعكس أنّ حلبة الاشتباك مفتوحة على هذين العنوانين، وهو امر يُضعف احتمالات انعقاد مجلس الوزراء خلال هذا الاسبوع، كما يرغب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والفريق المطالب بجلسة حكومية، لبحث قضية قبرشمون والتصويت على احالتها على المجلس العدلي، ما يعني انّ هذه العقدة ستُرحّل الى ما بعد عطلة عيد الاضحى.

الحريري
ويُفترض ان تبيّن عودة رئيس الحكومة سعد الحريري الى بيروت، الخيط الابيض من الخيط الاسود حيال الدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء هذا الاسبوع. فالخيط المرئي حالياً، هو رمادي بالكامل، ويميل الى السواد مع الافتراق الواضح في نظرة الرئاستين الاولى والثالثة حيال هذه الدعوة.
واللافت، انّ فريق رئيس الحكومة يعتبر الطلب الرئاسي من الحريري لعقد جلسة للحكومة، وبالشكل الذي تمّ توزيعه فيه على الاعلام، بمثابة توجيه اصبع الاتهام الى رئيس الحكومة بتعطيل انعقادها.

واتهم مقرّبون من الحريري احد الوزراء، بما سمّوه «توريط» رئيس الجمهورية بمواقف سياسية واجتهادات دستورية غير دقيقة. واكّد المقرّبون انّ دعوة مجلس الوزراء ووضع جدول أعماله هما من اختصاص الرئيس الحريري الذي لن يفرّط بصلاحياته ولن يستطيع أحد ان يفرض امراً واقعاً عليه، مهما اشتدت الضغوط وكثرت الاجتهادات.

وبحسب هؤلاء المقرّبين، فإنّ الاتفاق على عقد الجلسة لم يحصل بعد، «وليس آخر الدنيا ان نتمهل لايام من أجل ضمان انعقاد جلسة هادئة بدل ان نخوض مغامرة بعقد جلسة ملتهبة قد يليها سقوط الحكومة او تعطيلها لأمد طويل». 

عون
في المقابل، فإنّ حالاً من الاستغراب تسود فريق رئيس الجمهورية حيال رد الفعل من قبل الرئيس الحريري وفريقه على الطلب الرئاسي. 
وبحسب تأكيدات الفريق الرئاسي لـ«الجمهورية»، فإنّ الرئيس عون، وامام الانسداد السياسي والحكومي الحاصل، اراد إحداث ثغرة ايجابية في هذا الجدار، ومارس حقه الدستوري المنصوص عليه في الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور، والتي تنصّ حرفياً على أنّ رئيس الجمهورية: «يدعو مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة»، ما يعني انّ رئيس الجمهورية مارس حقاً منحه اياّه الدستور، وهو عندما يمارس هذا الحق، لا يفتئت على صلاحيات رئيس الحكومة».

ديب
وفي هذا السياق، قال عضو «تكتل لبنان القوي» النائب حكمت ديب لـ«الجمهورية»: «رئيس الجمهورية يتصرّف دائماً بما يمليه عليه الدستور وقسمه لناحية الحفاظ على الدستور واحترامه، واحترام القوانين». واستغرب ديب انه «حين يتصرّف رئيس الجمهورية أو يعلن موقفاً ما، يتحوّل موقفه وتصرفه الى تعدٍ على موقع رئاسة الحكومة». وقال: «لا أحد يتعدّى على الفريق الآخر. كل ما هنالك أن هناك مشكلات متراكمة ويجب حلّها. ومن الضروري والملح أن تنعقد الحكومة لتسيير عمل وشؤون الدولة». ورأى أنّ حلّ «الخلافات الحكومية» التي تحول دون إنعقاد الحكومة «هي مسؤولية رئيس الحكومة»، وطالبه يإيجاد حلّ لهذا الموضوع، لأنّ التعطيل لم يعد مسموحاً».

«بوسطة عين الرمانة»
على انّ هذا الترحيل لا يبدو انّه قائم على ارض ليّنة، بل على العكس، في ظل التحشيد القائم بين الطرفين على تجميع اوراق قوة طرف في مواجهة الطرف الآخر، وهو امر مثير للقلق على ما قال مرجع مسؤول لـ«الجمهورية»، الذي تخوّف من دخول البلد في ما سمّاه «سجال المؤتمرات»، الذي سيُستهل بمؤتمر صحافي يعقده الحزب التقدمي الاشتراكي غدا الثلاثاء حول وقائع حادثة قبرشمون. 

وبحسب المرجع، يُخشى ان يتضمن مؤتمر «الاشتراكي» هجوماً مباشراً على رئيس الجمهورية، وهذا معناه بالتأكيد انه قد يكون هناك مؤتمر صحافي من الطرف الآخر، وربما بتصعيد أكبر، الامر الذي قد يوصلنا الى وضع يفيد ان ما بعد المؤتمرات غير ما قبلها. وقال: «المطلوب والملح في هذه المسألة الّا نسمح بتحويل حادثة قبرشمون الى «بوسطة» عين الرمانة ثانية. الواقع الاقتصادي مرير، ونحن بما نقوم به نركض مسرعين الى الانتحار». والمؤتمر الصحافي الاشتراكي سيعقده وزير الصناعة وائل ابو فاعور تحت عنوان «كشف كل الحقائق»، وكان قد مهّد له باتهام من سمّاه «رأس السلطة» بـ»تعطيل المؤسسات»، وانّ العبث وصل الى القضاء بعودة نغمة التلاعب بالتحقيقات».

 

شهيب
من جهته، اوضح وزير التربية اكرم شهيب لـ«الجمهورية»، انّ المؤتمر الصحافي، هو «عبارة عن مكاشفة واضحة وصريحة الى الرأي العام حول حقيقة ما حصل منذ حادثة قبرشمون، وصولاً الى كل المداخلات التي حصلت فيها والتي رمت كلها الى قلب الحقائب وتوجيه الملف في اتجاه مغاير تماما لما حصل»

واشار شهيب، الى «اننا كحزب تقدّمي اشتراكي، وضعنا انفسنا، من اللحظة الاولى، تحت سقف القانون، واحتكمنا الى مؤسسة القضاء توخياً للقضاء العادل الذي ينظر بشفافية وموضوعية وحيادية الى ما جرى في قبرشمون - البساتين، وما تلاها من مداخلات مقيتة، من قبل بعض من هم قريبون من رأس السلطة مع الأسف، الذين حاولوا جاهدين نقل ملفات، وتركيب ملفات، واستحضار ملفات، واستدعاء قضاة من عطلتهم القضائية، ونصب محاكم واصدار احكام مسبقة، وكلها احكام سياسية، وقرنوها في آخر فصول هذه الحلقة التلاعبية بنسج تسجيلات وهمية، يحاول الفريق الآخر الاستفادة منها لأهداف تضليلية وسياسية، لحرف التحقيق عن مسار كشف حقيقة ما جرى بالفعل. التي كانت واضحة تماماً في التحقيقات الامنية».

واكّد شهيب، انّ الوقائع المحيطة بهذا الملف، تؤكّد بما لا يقبل ادنى شك، بأنّهم ممعنون في هذا المنحى الخطير، وهذا من شأنه ان يقود البلد الى ما هو أسوا مما هو عليه اليوم. وفي سياق هذا الامعان، تأتي محاولتهم الدؤوبة على التعمية على حقيقة التحقيقات وما اكّدته حول الحادثة، وعلى وجه التحديد التحقيقات الفعلية والجدّية التي اجراها فرع المعلومات والاجهزة الامنية الاخرى».

ورداً على سؤال، قال شهيب: «هناك من يسعى الى ابقاء البلد في وضع متوتر، عبر افتعال اشكالات والتباسات وتوترات في شتى الاتجاهات، اضافة الى محاولة ضرب هيبة القضاء وزرع الشكوك حوله، جرّاء تدخلاتهم الفاضحة في مسار العمل القضائي ومحاولة توجيهه سياسياً في الاتجاه الذي يخدم توجّههم الرامي الى الاخلال بالتوازنات القائمة بالبلد».

وعندما يُقال للوزير شهيب انّ هناك من يقول بأنّ كل ما يقومون به القصد منه محاصرة او تحجيم وليد جنبلاط، يقول: «مع هذا الفريق وهذه العقلية، كل شيء متوقع، ولكن في خلاصة الامر، هم يحلمون، واحلامهم ستتحطم بالتأكيد امام صخرة المختارة ووليد جنبلاط».

الغريب
وقال وزير شؤون النازحين صالح الغريب لـ«الجمهورية»: «نحن ما زلنا نطالب بجلسة لمجلس الوزراء والتصويت على احالة الحادثة على المجلس العدلي».

واستغرب الغريب القول بأنّ رأس السلطة يتدخّل في القضاء وغير ذلك، وقال: «فليقولوا لنا اين، المسألة في منتهى البساطة، اننا نؤمن بالدولة ومؤسساتها، بعكسهم، هم يريدون ان تجري الامور كما تناسبهم، فما يناسبهم يتبنونه، والتحقيق الذي يبيّن الحقيقة ويكون لغير مصلحتهم يخونونه».

اضاف: «هم لا يؤمنون لا بالدولة ولا بالتحقيق، ومن هنا فإن ما يريدونه هو ان القاتل، هو الذي يجب ان يعيّن القاضي، وهو الذي يجب ان يكتب الحكم بكل وقاحة، وهذا إن دلّ على شيء، فعلى العقل الالغائي والمتسلّط، الذي يسعى من خلال حركته الاخيرة الى تحقيق ثلاثة اهداف، الأول افراغ التحقيق من مصداقيته، والثاني ممارسة الضغوط على القضاة وحملهم على عدم القيام بواجباتهم، والثالث هو التمهيد لعدم تسليم القتلة».

استدراج الخارج!
في المقابل، اتهمت مصادر وزارية موالية للحكم، جنبلاط بمحاولة تحويل ملف قبرشمون الى ملف سياسي بدلاً من كونه ملفاً قضائياً وامنياً، وليست المرة الأولى التي يحاول فيها جنبلاط التلاعب بالحقائق وتكريس ما يعاكسها. وكشفت المصادر، انّ جنبلاط سعى الى تدخّل الخارج في ما يجري من خلال الإجتماع الذي نُظم مع مجموعة من السفراء، وسعى امامهم الى استباق التحقيقات الجارية وتصوير الأمر وكأنه استهداف سياسي له. وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: «الإشتراكي يسعى الى تعطيل الحكومة ومنع انعقادها للبحث في ملف قبرشون، ويقوم بحملة على القضاء لتعطيل قدرته على القيام بواجباته، وخصوصاً بعدما ابرزت التحقيقات ضلوع عدد من القيادات الإشتراكية في العمليات العسكرية وصدور تعليمات حزبية بمنع انتقال وزير الخارجية ووصوله الى كفرمتى».