فيصل عمر عبد الحميد كرامي، إسم ثلاثي يلازم النائب الشاب، يضاف اليه ركن من عائلته هو الرئيس رشيد كرامي، يستشهد باستشهاده وحياته، ويؤرّخ لعائلته تاريخاً بعيداً من التلوّث بالصفقات والفساد، ويقول باعتزاز: رشيد كرامي ألّف الحكومة عشر مرات، وعمر كرامي ألّفها ثلاث مرات، وأنا كنت وزيراً والآن نائباً، واتحدّى أن يتجرّأ أحد ان يتهمنا أنا أو والدي أو عمي بأيّ ملف. البلد الآن غارق في الفساد، وفي موضوع الفساد لا حلفاء لي، بل معظمهم خصومي.
 

يؤرق الأفندي المناخ الطائفي المتصاعد، ويتحدث عن الوجود المسيحي في لبنان، بلغة واقعية، ويقول هناك مشكلة حقيقية، ويجب معالجتها، لكن المعالجة لا تكون في الشارع وفي استثارة العصبيات، بل في المؤسسات، وحسناً فعل الرئيس ميشال عون عندما وجه رسالة الى رئاسة مجلس النواب لتفسير المادة 95، انه المكان الوحيد للنقاش.

بقدر ما يخشى كرامي الازمة الديموغرافية التي تهدد نموذج لبنان المتعدد، بقدر ما يحذّر من الخطاب الطائفي الذي يستثير خطاباً طائفياً آخر، ففي موازاة الخطاب الاستفزازي، تنمو لهجة مرفوضة في اوساط مقابلة تدعو الى وقف العد، وهذا أمر دقيق وحساس. يتذكر كلاماً لوالدته تحذر من أن تخلو الحارة من النصارى، ويستعيد مشهد طرابلس منذ عام 1985 حين تركتها أعداد من المسيحيين فتراجع دورها على كل الصعد.

يتساءل كرامي: ما الهدف من الذهاب الى هذا المستوى من الشحن الطائفي؟ صحيح انّ نظام لبنان فيه الكثير من الطائفية، لكنّ اللجوء الى المؤسسات هو الحل. فالجميع يتكلم على الطائف، لكن لا يطبقه، هناك خرق للدستور، وعدم الاحتكام له يؤدي الى أن يمارس الجميع لعبة استعراض القوة. هناك طبقة حاكمة منذ 25 سنة اتفقت في ما بينها على عدم تطبيق الدستور، وليست جهة واحدة تخرق الدستور، بل الجميع، والاتفاق الناتج من التسوية الرئاسية خير دليل.

وعن هذا الاتفاق قال: لن يهتزّ فكل ما جرى بعد التسوية الرئاسية أظهر انّ المحاصصة «ماشية»، ثلاث سنوات من المحاصصة وكل ما يقال عن التعدي على صلاحيات رئيس الحكومة لم يواجه من الرئيس الحريري بأيّ اعتراض. سمعنا انتقادات من «النادي» الجديد لرؤساء الحكومات، تحذيرات البعض منها محق، والبعض من هؤلاء نواياه جيدة، وسمعنا انتقاداً يتيماً من النائب سمير الجسر، ولكن يتذكر الجميع انه بعد زيارة الوزير جبران باسيل لطرابلس وما شهدت من تعبئة، حصل غداء بينه وبين الرئيس الحريري استمر ثلاث ساعات، فكيف يحرّضون طرابلس على باسيل فيما يتناولون طعام الغداء معاً في اليوم الثاني؟

اما عن علاقته بباسيل ومقاطعته زيارته طرابلس فقال: لم اكن معنياً بالزيارة لأنّ الوزير باسيل أراد ان يلتقي «التيار الوطني الحر»، الرجل هاتفني، وقال: أنا الأحد في طرابلس، وسأكون عندك، فقلت: أهلاً وسهلاً، ثم غيّر توقيت الزيارة وبرنامجها، وهذا ما حصل، لم اتفادَ لقاءَه ابداً.

وعن حادثة قبر شمون، كشف أنّ باسيل لم يتحدث امامه انها كانت محاولة اغتيال له، وانه طلب من الوزير صالح الغريب عدم المرور في المنطقة، لكنّ الغريب أصرّ، وحصل إطلاق النار.

عن شعور وليد جنبلاط بالاستهداف، قال: حصلت الحادثة وسقط ضحايا، وفي لبنان تأخذ الامور منحىً سياسياً، فيجب أن تعالج بالاستناد الى القانون من دون تسويات. أنا وليّ دم وأعرف شعور اولياء الدم، لكن يجب أن لا تؤخذ الامور بالتحدي، ويجب الحفاظ على استقرار الجبل، ونحن عشنا في طرابلس معاناةً انتهت بتسلم الجيش أمن المدينة.

 
 

يجب ان تنتهي القصة بتطبيق القانون وارضاء اولياء الدم، لكن لا يجوز تعطيل اجتماعات الحكومة، فهي المكان الأمثل لحلّ الخلافات، وتهدئة الشارع، وليذهب الجميع الى التصويت في مجلس الوزراء.

عن مكافحة الفساد قال: معظمهم خصومي وعدم تصويتي على الموازنة سببه أنها تخرق الدستور. ليس عندي ارتباطات وأفتخر بنفسي وعائلتي التي لم تتورط بالفساد، ولا اجد نفسي الّا مع مَن يشبهني، ولم اعد مقتنعاً بالكثير ممّا يجري اليوم.

وعن تقييمه للسنوات الثلاث الاولى من عهد الرئيس عون، قال: لم يتغيّر شيء. كنا نعاني من دين 80 مليار دولار فأصبح 87 ملياراً، كنا نعاني من مكب نفايات واحد، صار لبنان كله مكباً، كانت نسبة البطالة 35 في المئة، أصبحت في طرابلس 50 في المئة، تخيّل انّ نصف اهالي طرابلس يبدأون يومهم وينهونه من دون عمل. كان القضاء في وضع معروف، واستمرّ على ما هو، بل أصبح أسوأ، فمَن يعيذن القضاة يستطيع المونة عليهم.

أما النجاح الوحيد فهو تحسن الوضع الامني، وهذا لا يعود الى الطبقة السياسية، بل الى المؤسسات العسكرية والامنية، وهنا لا بد من الاشادة بالدور الوطني الذي يؤديه قائد الجيش العماد جوزيف عون، وأنا معجب به وببعده عن الطائفية وقدرته على حماية دور الجيش الذي هو العمود الفقري. إنّ أداء العماد عون هو أداء وطني مميَّز، فقد استطاع أن يحمي المؤسسة العسكرية من تدخلات السياسيين، وأن يؤهّل الجيش لدور يحتاج اليه لبنان.

وأبدى خشيته من انهيار اقتصادي، وقال: انتظر التصنيف الذي سيصدر عن الوكالات الدولية حول الوضع الاقتصادي، لكن ما جرى لا يطمئن ولا يمكننا ان نكذب على انفسنا، فالموازنة لا ترضي طموحات اللبنانيين.

عن إمكانية التغيير والمواصفات التي يراها في الرئيس المقبل قال: يجب أن يتحلّى بدور وطني جامع، وأن يمتلك رؤية إقتصادية، وأن يجذب اللبنانيين اليه، ويوقف الانقسام والخلافات السياسية، ويحرّر القضاء، والجميع يعرف الوضع الذي يعيشه القضاء.

لم ينسَ كرامي في رفضه التصويت على الموازنة أن يشيد بالتعاون مع نواب آخرين منهم النائب سامي الجميل، الذي نتمايز معه في بعض القضايا السياسية، لكن نقدّر عمله ونتشارك وإياه الرؤية في بناء الدولة والمؤسسات.

لم أعد مقتنعاً، عبارة يكرّرها الأفندي كثيراً في حديثه عن الشأن العام. خشيته من التسعير الطائفي كبيرة، ودعوته الى العودة الى المؤسسات، والى طيّ صفحات الماضي، وبناء لبنان على أسس جديدة. وقال ختاماً إنّ الديموقراطية التوافقية أصبحت هدامة والمطلوب العودة الى الدستور. ويدعو الى معالجة الهواجس الطائفية، لكن في الوقت نفسه الهواجس لا تعالج بالأوهام، وأولها وهم اعادة طرح الفدرالية، وفي هذه النقطة يتساءل: هل هناك مَن يسعى اليوم لطرح الفدرالية؟