لمن ألحق بدعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع؟
 
الفقرة 6 من المادة 64 من الدستور بعنوان ثانياً: رئيس مجلس الوزراء، تنص حرفياً: يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد ويضع جدول أعماله، ويطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث..
 
بهذه الفقرة ردّ الرئيس سعد الحريري، عبر مصادر مقربة منه بالقول: رئيس الحكومة، يعرف صلاحياته، ويعلم مدى ضرورة الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء، إنما هو يريدها ان تنعقد بظروف هادئة، وبعد استكمال الاتصالات. تضيف المصادر: على كل الحريصين على انعقاد الجلسة ان يشاركوا بالتهدئة وليس توتير الأجواء..
 
وسلّم الرئيس ميشال عون بأن الدعوة إلى انعقاد المجلس هي من اختصاص رئيس الحكومة.. إلا ان مصدراً وزارياً مقرباً من رئيس الجمهورية، برر الاتصال بأن  رئيس الجمهورية أنطلق من صلاحياته الدستورية وفقا للفقرة 12 من المادة 53 من الدستور والتي تنص على حق رئيس الجمهورية بدعوة مجلس الوزراء ولكن بصورة استثنائية. والنص الحرفي هو: يدعو مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة.
 
والسؤال ماذا لو لم يحصل الاتفاق؟
 
الرئيس الحريري اشترط ان تنعقد الجلسة بظروف هادئة، داعياً «كل الحريصين على انعقادها إلى ان يشاركوا في التهدئة، وليس في توتير الاجواء».
 
واستناداً إلى أوساط المراقبين فإن كلام الرئيس الحريري ولو على لسان المصادر، يتضمن دعوة للرئيس عون أو فريقه للمشاركة في التهدئة.
 
ونقل موقع «المستقبل الالكتروني» عن مصدر حكومي ان إصرار البعض على ربط مصير العمل الحكومي بمشكلة الجبل هو ما يدفع الحريري إلى التريث منعاً لتعريض مجلس الوزراء لأي انقسام عمودي..
 
والملاحظ ان الأزمة تتعدّى انعقاد مجلس الوزراء، أو جدول الأعمال، بما في ذلك قضية قبرشمون، إلى اشتباك صلاحيات داخل «التسوية الرئاسية» التي مضى عليها ثلاث سنوات..
 
حرب مصادر
 
غير ان الثابت في التسريبات التي اشعلت نوعاً من حرب إعلامية بين مصادر بعبدا ومصادر السراي، ان اتصال الرئيس عون بالرئيس الحريري حصل قبل سفر الأخير إلى أوروبا في رحلة خاصة تستمر يومين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع عائلته والاحتفال بعيد زواجه يوم الأحد - بحسب المعلومات التي أكدت انها لا تملك معلومات عن سبب اجراء الاتصال، غير الذي ذكرته المصادر- وهي للعلم وزارية مقربة- عن مبادرة رئيس الجمهورية للطلب من رئيس الحكومة الدعوة إلى عقد مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن، من منطلق ان مجلس الوزراء مجتمعاً هو السلطة التي تطرح لديها كل الخلافات والاشكالات السياسية والأمنية، وان الطلب جاء استناداً إلى موقع وصلاحيات رئيس الجمهورية ولا سيما الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور والتي تجيز له دعوة مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة».
 
لكن التسريبات لم تشر إلى ما إذا كان الرئيس الحريري تجاوب مع دعوة الرئيس عون، باستثناء وعد بعقد جلسة في بدايات الأسبوع المقبل، الا ان ردّ مصادر حكومية في السراي، أوحى ان جواب رئيس الحكومة كان سلبياً، إذ أكدت ان الحريري يُدرك صلاحياته تماماً وهو يتحملها على أكمل وجه، وقد سبق له ان وجه رسائل مباشرة وغير مباشرة لكل المعنيين بوجوب انعقاد مجلس الوزراء وهو لن يتأخر لحظة واحدة عن هذه الدعوة والتي باتت ملحة، فور التوصل الى إنجاز ملموس نحو المصالحة.
 
وقال المصدر الحكومي ان «الرئيس الحريري معني بالمحافظة على صفة الوفاق الوطني للحكومة وعدم تعريض مجلس الوزراء لأي انقسام عمودي في ظل أية اقتراحات يمكن ان تؤدي إلى هذا الانقسام، لكنه معني أيضاً بمنع اللجوء إلى أي خطوة تؤدي إلى تدهور الأوضاع في الجبل، وفق هذا، يضيف المصدر، ان الرئيس الحريري يتطلع إلى تحريك الجهود السياسية لتحقيق المصالحة وتوفير مقتضيات الأمان السياسي لانعقاد مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن».
 
لكن اللافت، ان ردّ بعبدا على جواب الحريري جاء صاعقاً، إذ أكّد مصدر مقرّب من الرئيس عون، بحسب ما نقلت محطة L.B.C ان «لبنان دولة وليس عشيرة»، بما أوحى ان الأمور تزداد تعقيداً بالنسبة إلى عقد جلسة قريبة لمجلس الوزراء.
 
وبحسب معلومات المصدر الوزاري المقرب من رئيس الجمهورية ان الرئيس عون شرح في الاتصال الذي اجراه بالحريري ان.البلد لم يعد يحتمل خصوصا ان هناك مصالح خدماتية وامورا اخرى وتحديات واستحقاقات مالية واقتصادية واجتماعية فضلا عن الوضع الأمني الحاصل في المخيمات وخارجها  والوضع السياسي في البلد وهي كلها تنتظر معالجة من مجلس الوزراء مكررا انه بعد الطائف فإن مجلس الوزراء مجتمعا هو من يتولى السلطة الأجرائية اي انه اذا كان هناك من خلاف سياسي او امني كبير او خلاف سياسي نتيجة حادث امني او احداث اخرى او وضع اقتصادي فأين يحل الخلاف او الأشكاليات الكبرى في البلد فهناك مجلس الوزراء مجتمعا سائلا : هل ننتظر كي تحل في الشارع كي نستحقها كما حصل في بساتين 1و 2ِ. وكرر التأكيد ان مجلس الوزراء هو الجهة المعنية او المرجعية المعنية بدستور الطائف لحل كل الأشكاليات فكيف نقول لا وانه علينا انتظار انجاز ملموس في المصالحة لعقد جلسة للحكومة».
 
وقال المصدر ان الأتصال يصب في اطار التوافق مع رئيس الحكومة لعقد جلسة مؤكداً ان الرئيس عون من باب اللياقة الكلية  وليس بإنفعال  طلب من الحريري ان يدعو مجلس الوزراء الى الأنعقاد لاسيما ان الدعوة هي من اختصاص رئبس الحكومة.
 
ولفت المصدر الى انه اذا اجاز الدستور لرئيس الحمهورية هذا الحق فذاك يكون بالإتفاق مع رئيس الحكومة مشددا علىضرورة عدم انتظار اي امر آخر. وسأل المصدر نفسه ماذا لو استحالت المصالحة بشأن حادثة قبر شمون خصوصا ان هناك اطراف قد تحضر واخرى لا تحضر في قصر بعبدا.
 
وذكر المصدر ان الرئيس بري يسعى بدوره في ملف قبر شمون وما من نتيجة في حين انها المبادرة الرقم 6 للواء ابراهيم وكذلك فإن فريق قصر بعبدا يعمل على الخط ولكن ماذا بعد وماذا سنقول للناس؟
 
ودعا المصدر الرئيس الحريري الى التروي والسهر على عدم اصدار بيانات رداً على معلومات إعلامية غير صحيحة وسأل لماذا الرد ببيانات تتضمن توترا او تذكيرا بالصلاحيات واين المساس بصلاحيات رئيس الحكومة عندما يدعو الرئيس عون الرئيس الحريري للدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء؟
 
برّي على خط الأزمة
 
 
في هذا الوقت، ذكرت مصادر الثنائي الشيعي «أمل» و«حزب الله» ان رئيس المجلس نبيه برّي دخل مباشرة على خط الأزمة الناتجة عن حادثة قبرشمون - البساتين، لا سيما لجهة فصل مسارها الأمني - القضائي عن عودة الحياة إلى مجلس الوزراء المعطل منذ أكثر من شهر، بعد تهاوي المبادرات والمقترحات الواحدة تلو الأخرى.
 
واكدت مصادر الرئيس بري لـ«اللواء»، «ان الرئيس يسعى ومسعاه طبعا مبني على رؤية وحاجة لعودة الحكومة للعمل وتفادي المحظور». فيما قالت مصادر المعلومات ان المبادرة تلقفها الرئيس بري وهو يسعى لبلورة افكار تُرضي سائر الاطراف وتسمح بعودة جلسات مجلس الوزراء الاسبوع المقبل.
 
واوضحت المصادر ان المسار الامني – القضائي ما زال قائما ومستمرا لكن المشكلة باتت في تعطيل المسار السياسي الذي بات ينعكس سلبا على الاقتصاد، ويحول دون تطبيق بنود الموازنة و«خطة ماكينزي»، ما يفرض الحاجة الماسة الى عودة جلسات الحكومة، لذلك فالمعالجة السياسية باتت اولوية متقدمة على الشأن الامني والقضائي.
 
واشارت مصادر عين التينة لقناة «المنار» إلى أن «جهد الرئيس بري قائم وهو لا يرى الى الآن إلا المصالحة والمصارحة بشكل اساسي مدخلا للحل في قضية قبرشمون»، معتبرة ان «حل المشكلة وتجاوزها يجب ان يكون عملا وطنيا جامعا».
 
مؤامرة على الاشتراكي
 
تزامناً، حذر مصدر في الحزب التقدمي الاشتراكي من ممَّا وصفه «بالمؤامرة» التي تحاك ضد الحزب، من خلال «فبركة» مناقضة لما اظهرته قوى الأمن الداخلي في حادثة البساتين، والزام القاضي المناوب بالتنحي عن القضية على رغم العطلة القضائية، ثم استدعاء قاض من عطلته الصيفية لتسليمه الملف.
 
وتحدث المصدر عن تدخل مباشر من الفريق الوزاري للعهد مع القضاة المعنيين ومتابعة حيثية للملف خطوة بخطوة ما يُشكّل تدخلاً سافراً في شؤون القضاء، معطوفاً على استمرار الامتناع عن تسليم أي من المطلوبين المتورطين في الحادثة من الفريق الآخر، واشتراط تسليمهم بالحل بالسياسي.
 
واوضح ان تقرير فرع المعلومات الذي اجرى التحقيقات حول الحادثة وبات في عهدة الرؤساء عون ونبيه بري والحريري اكد أن لا كمين ولا مؤامرة ولا محاولة اغتيال للوزير صالح الغريب وكل النظريات المطروحة في سوق التداول السياسي من الفريق الآخر من نسج الخيال وان الطرف الآخر باشر باطلاق النار، ما اضطر محازبي ومناصري الحزب التقدمي الاشتراكي الى الرد دفاعا عن النفس. وكشف ان الحزب سيكثف اتصالاته ولقاءاته اعتبارا من الاسبوع المقبل في مواجهة «المؤامرة».
 
من جهته، جال الوزير صالح الغريب مع وفد من الحزب الديموقراطي اللبناني، على المرجعيات الروحية والمشايخ في حاصبيا، كما زار المرجعية الروحية للطائفة الدرزية الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ في المستشفى مطمئناً على صحّته، وشملت جولته زيارة عائلتي الشهيدين رامي أكرم سلمان وسامر نديم أبي فرّاج في منزلهما، ووضعهم في صورة آخر تطورات قضيّة البساتين- قبرشمون وما وصل إليه الملف، مؤكداً «على عدم المساومة على دماء الشهيدين وعلى الموقف الثابت والإصرار بإحالته على المجلس العدلي والتصويت عليه في أوّل جلسة لمجلس الوزراء».
 
وكان رئيس الحزب الديموقراطي النائب طلال أرسلان غرد عبر «تويتر» قائلاً: انه لا يرى مبرراً للجمود الحاصل في موضوع البساتين الا تصغير حجم ما حصل وكأنه حادث عابر وهذا الأمر لن يمر ولن نقبل به على الإطلاق.. علماً ان أرسلان كان في آخر مؤتمر صحافي له قد اقفل الباب امام سائر المبادرات ما لم تحل قضية قبرشمون إلى المجلس العدلي.
 
المادة 95
 
لى ذلك استمرت مفاعيل رسالة الرئيس ميشال عون الى المجلس النيابي لطلب تفسير المادة 95 من الدستور موضع تجاذب سياسي بسبب ربطها بالمادة 80 من قانون الموازنة التي نصت على حفظ حق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية بالتوظيف بعد نفاذ مهلة السنتين القانونية لصدور مراسيم تعيينهم، فيما دعا الرئيس بري الى جلسة عامة عند الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الخميس الواقع في 17 تشرين الأول 2019 ، «انطلاقا من نص الرسالة التي أرسلها رئيس الجمهورية الى رئيس المجلس لتفسير المادة 95 من الدستور اللبناني».
 
  وفي هذا السياق، قال عضو «كتلة اللقاء الديموقراطي» النائب الدكتور بلال عبد الله لـ«اللواء»: ان موضوع الخلاف لا يتعلق بالمادة 95 من الدستور بل بكل الاداء الحاصل من العهد وفريقه، وموضوع المادة 95 جاءت من ضمن سياق عام في إداء يتخطى صلاحيات اعطيت في الطائف لرئيس الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعا. والكلام عن عدم تنفيذ المادة 95 من اجل تثبيت طائفية كل الفئات الوظيفية هو اجتهاد خاطيء واستحضار لأوهام واحلام اعادة الزمن الى ما قبل اتفاق ودستورالطائف، ومحاولة البعض تطبيق اتفاق الطائف بطريقة خاطئة اوصلنا الى ما نحن فيه.
 
وأكد عبد الله «انه ليس من مشكلة في طرح تعديل دستور الطائف او توضيح بعض المواد فيه، لكن هناك آلية دستورية لتعديل الدستور وليس بالطريقة التي يعتمدها الان هذا الطرف، كما ان تعديل الدستور بحاجة الى ظرف موضوعي فهل  الظرف الموضوعي متوافر الان لتعديل او تفسير موادالدستور؟
 
بالمقابل، أكد رئيس لجنة المال والموازنة امين سر تكتل «لبنان القوي» النائب ابراهيم كنعان في حديث الى محطة «ام تي في» ان المادة 80 هي اهم مادة اصلاحية وبنيوية في الموازنة، اذ كرست المادة 21 من قانون سلسلة الرتب والرواتب بوقف التوظيف ومنع اي استثناءات والزام الحكومة باعادة هيكلة الادارة وفق مسح شامل، لأن لبنان يعاني من نفخ الملاك العام، حيث باتت كتلة الرواتب بالتوظيف العشوائي تصل الى 38% من العجز».
 
واشار الى ان «ما صدر في الجريدة الرسمية للمادة 80 تضمن تعديلا باضافة عبارة «تعيينهم في الادارات»، وهو ما يشكل تدخلا في الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية، وهو ما لم يرد من لجنة المال والموازنة، وليس على علمي أنه حصل في الهيئة العامة، حيث يفترض ان تكون الفقرة قد شطبت، بينما يقول محضر الجلسة انها لم تشطب، ما طرح مشكلة قد تكون ناجمة عن خطأ مادي. وما سبق واقرته لجنة المال هو حفظ حق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية ضمن مهلة السنتين التي ينص عليها القانون، وهو ما لا يلزم الحكومة بالتوظيف»، معتبرا ان «الحل يمكن ان يكون باقتراح قانون معجل مكرر يعمل عليه تكتل «لبنان القوي» لازالة الالتباس بهذه المادة».
 
مؤشر اقتصادي سلبي
 
وسط هذه الأجواء، برز مؤشر اقتصادي غير مطمئن، حيث ارتفعت كلفة التأمين على ديون لبنان السيادية إلى مستوى قياسي أمس الجمعة، بعدما حذر الرئيس عون في كلمته امام تخريج ضباط المدرسة الحربية، من مغبة ما يُمكن ان تفرضه المؤسسات الدولية من إجراءات مالية قاسية، ما لم يتم تقديم تضحيات لإنقاذ بلاده من ازمتها الاقتصادية، بحسب ما أوردت وكالة «رويترز»، التي كشفت ان بيانات «اي.اتش.اس ماركت» أظهرت ان عقود مبادلة مخاطر الائتمان اللبنانية لخمس سنوات ارتفعت إلى 990 نقطة أساس، بزيادة 33 نقطة أساس عن إغلاق الخميس.
 
وسارع المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية إلى نفى ان يكون رئيس الجمهورية أشار في كلمته إلى «امكانية الاستعانة بصندوق النقد الدولي للحصول على المساعدة إذا لم تثمر جهود الإصلاح التي تبذلها الحكومة عن تحسن المالية العامة للدولة بالقدر الكافي»، كما جاء في خبر «رويترز»، محذراً من مغبة تعميم مثل هذه الاخبار المختلفة، لا سيما وان ما نشرته «رويترز» أحدث تداعيات سلبية على السندات السيادية للدولة اللبنانية وكلفة التأمين عليها.
 
وأوضح المكتب ان ما نقلته «رويترز» من لندن، كان تفسيراً خاطئاً لما جاء في كلمة الرئيس عون، وان ما قصده الرئيس هو دعوة اللبنانيين من دون استثناء إلى التضحية مرحلياً والتخلي عن بعض المكتسبات لئلاً نخاطر بفقدها كلها وذلك للمساعدة في مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية القاسية التي تمر بها البلاد.