ربط اسم الحسين بالحزن والبكاء والعويل والندب والفقر والعوز والتخلّف والفوضى والفساد (والعياذ بالله) كما هو حاصل اليوم
 
بين خبر منع حفلة شعريّة باسم محمود درويش الشاعر الفلسطيني والمناضل الكبير، بسبب وجود آلة " الطبلة " مع الفرقة الموسيقيّة،  وبين خبر هيجان الشارع " الشيعي " المتديّن في العراق وفي مدينة كربلا تحديدًا على اثر العروض الفنيّة التي شهدها ملعب كربلاء الدولي في افتتاح الدورة التاسعة لبطولة غرب آسيا حيث قدّمت فرق مسرحيّة عروضًا فنيّة رائعة تخلّلها عزف النشيد العراقي لعازفة الكمان اللبنانيّة (السافرة) جويل سعادة.
  
وفي كلتا الحالتين المتزامنتين زمانا وموضوعا، والمترابطتين برؤية واحدة حول " قدسيّة " المكانين المتشاركين بقدسيّة قضيّة الامام الحسين عليه السلام وثورته التاريخيّة، فالنبطيّة تسمّى ايضًا " مدينة الامام الحسين "، كما  ان كربلا التي تحتضن ضريح الامام ومكان ثورته، يجعل من الحادثتين محل نقاش وبحث وتدقيق ليس فقط  بصحّة او عدمة صحّة المنع هنا والاستنكار الشديد هناك، بل لا بد من الغوص حينئذ في مفهوم " الثورة الحسينيّة " وما طرأ عليها من تحوّلات كبرى في الفهم والغاية والاهداف حتى بتنا (كما يقول المفكر شريعتي) انّنا ابعد ما يكون عن الثورة الحسينيّة ونمارس ابشع انواع اليزيديّة ونحن ندعي حسينيّتنا! 
 
إقرأ أيضًا:" لماذا وليد جنبلاط ؟ "
 
وان كنا هنا لسنا بوارد فتح نقاش تاريخي مُعمّق، الا اننا ونحن على اعتبار الذكرى العاشورائية وما تُشكّله من محطة فكريّة وثقافيّة كبرى عند الشيعة، مضطرّين للتذكير ببعض الحقائق المرة علنا نضيئ من خلالها على اشكاليّة عظيمة ترتكب بحقّ الامام الحسين اوّلًا وبحقّ " قدسيّته " ثانيًا.
 
وبنظرة بانوراميا سريعة، على احوال مدينة كربلا مثلًا فاننا نجد انّها تعيش في اسوأ حالاتها منذ مئات السنين، فعلى المستوى المعيشي فان الفقر المدقع يطال كلّ بيت في كربلا، ويكفي ان تتجوّل في ازقة كربلا وان تمرّ على احدى اشارات السير حتى تشاهد عشرات المتسوّلات الكربلائيّات، ويكفي ان تقصد احياء المدينة لتشاهد بيوت الصفيح والنفايات التي تملأ الشوارع فضلًا عن حالات المستشفيات ودوائرالحكومة وما تحتويه من ابشع انواع الفساد والتخلّف، 
وكذلك الحال في مدينة النبطيّة وان بشكل اخف، فالمدينة التي تتخبط بازمة نفاياتها، والتي تشهد هذه الايّام ركودًا اقتصاديًا مرعبًا يُهدّد سوقها ويقفل ما تبقى من محالها التجاريّة بعد بلوغ عدد المحلات المقفلة 40 %، ويعيش شبابها كما كلّ المدن اللبنانيّة حالة بطالة فاقت نسبتها 30 %، فضلًا عن التصحّر الثقافي والفكري الذي تفرضه الثنائية الشيعيّة المُتحكّمة بالمدينة وجمعياّتها وانديتها.
 
لا بُدّ في هذا السياق من التذكير انّ قدسيّة الامام الحسين (ع )، انما هي من قدسيّة اهدافه الاصلاحيّة التي قام لاجلها، ( إنما خرجت لطلب الاصلاح في امّة جدي )، ولم يخرج لا لفرض الحجاب، ولا لمنع الموسيقى ( الطبلة او الكمان )، وان من مستلزمات الاصلاح هو الفرح والسعادة والرخاء والسكينة ورغادة العيش، وهذا ما استشهد من اجله الامام الحسين، وليس كما حوّره الفكر الصفوي حين ربط اسم الحسين بالحزن والبكاء والعويل والندب والفقر والعوز والتخلّف والفوضى والفساد ( والعياذ بالله ) كما هو حاصل اليوم، وعليه فان اي حديث عن " قدسيّة " في ظلّ ما نحن عليه من اوضاع متردّية هو حتما حديث لا يمت الى الحسين بصلة، فلو عاد الامام الى زماننا لقام مرّة اخرى على كلّ من ينادي اليوم بهذه " القدسيّة " الملعونة.