الولايات المتحدة ليست ترامب. الرئيس الأميركي بسعة صلاحياته هو في النهاية موظف مؤقت، يستند في هيبته إلى مؤسسات تعمل في الخفاء من غير أن تنظر إلى الواجهة.
 

غير دولة في العالم تنتظر الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة بلهفة ممنية النفس في أن يزول كابوس “دونالد ترامب” من طريقها. فالرجل المزعج الذي يُشاع أنه أعاد النظر في سياسات الولايات المتحدة الخارجية واتفاقاتها الخارجية قد أضرت قراراته بعدد من الدول. لذلك فإن غيابه من وجهة نظر تلك الدول سيشكل نهاية لأزماتها.

ذلك ما يمكن اعتباره نوعا من التقدير السياسي الخاطئ إذا لم يكن تفكيرا ينم عن جهل وغباء بالطريقة التي تُدار من خلالها الأمور السياسية في واشنطن، حيث المؤسسات الراسخة التي تعمل على صياغة المعادلات الدولية من غير أن تنظر إلى يدي مايسترو بعينه. كأن يكون ترامب هو ذلك المايسترو.

ما هو ثابت أن السياسة الأميركية لا يصنعها الرئيس وحده. ما فعله ترامب أنه استطاع من خلال استعراضاته وألعابه البهلوانية أن يقنع الكثيرين بأن القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة هي من صنعه بشكل خالص. وهو ما لم يعترض عليه أحد داخل مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة، طالما أنه لا يؤثر في شيء على وقع تلك القرارات وتأثيرها.

لا ضير في أن يحقق الرجل الأول شيئا من نرجسيته على حساب الواقع مادام ذلك السلوك لا يؤثر على حقيقة ما يجري من تداعيات عالمية بسبب قرارات أميركية وليست ترامبوية.

على سبيل المثال فإن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران عام 2015 بدا كما لو أنه قرار ترامب الشخصي. وهو ما صدقته إيران وصدقه الكثيرون من أنصارها.

السؤال هو “الاتفاق الذي وقعته الولايات المتحدة إضافة إلى خمس دول كبرى أخرى في مقابل إيران، هل كان مسموحا لرجل يحكم في دولة ديمقراطية أن يلغيه لولا وقوف مؤسسات الحكم كلها وراءه؟”.

وكما هو معروف فإن تلك المؤسسات لا تتبع الرئيس إلا في حدود ما يفرضه القانون. فهي مؤسسات قانونية. وهو ما يعني أن الانسحاب الذي اعتبره ترامب نصرا شخصيا كان قد اُتخذ في سياق قانوني لم يكن ترامب إلا واجهته المغمورة بالأضواء.

فإذا افترضنا جدلا أن ترامب لن يُعاد انتخابه في ولاية ثانية في الانتخابات القادمة فهل ذلك يعني أن الولايات المتحدة ستتراجع عن قرارها في فرض العقوبات على إيران؟

ذلك سؤال ساذج. ما من شيء يمكن اعتباره خطأً. الانسحاب من الاتفاق لم يكن خطأً كما أن توقيع الاتفاق في حينه لم يكن خطأً هو الآخر. تلك هي السياسة الأميركية التي لا يفهمها أحد بسبب التفكير في أن تلك السياسة هي انعكاس لمزاج شخصي. هو ما يدخل الكثيرين في متاهة انتظار مضن لا معنى له.

وبالرغم من إيران تملك قوى ضاغطة في واشنطن غير أن تلك القوى لم تقو على منع الانسحاب من الاتفاق واستئناف العقوبات. ولو أن المؤسسة السياسية الأميركية قد عزمت أمرها وقررت أن تعتبر جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا فإن قوى الإخوان الضاغطة في واشنطن وهي متمكنة لن يكون في مقدورها أن تؤثر على ذلك القرار.

الولايات المتحدة ليست ترامب. الرئيس الأميركي بسعة صلاحياته هو في النهاية موظف مؤقت، يستند في هيبته إلى مؤسسات تعمل في الخفاء من غير أن تنظر إلى الواجهة. تلك المؤسسات لا تترجم في قراراتها أهواء الرئيس ومزاجه بل هي تترجم سياسة دولة عظمى.

ليست إيران هي الدولة الوحيدة التي وقعت في سوء الفهم الذي يتعلق بنرجسية ترامب. هناك دول وجماعات صارت تنتظر بفارغ الصبر موعد الانتخابات الأميركية القادمة التي ربما ستخلصها من كابوس شبح ترامب كما لو أن ذلك الشبح سيأخذ معه سياسة الولايات المتحدة عبر أربع سنوات. سيختفي ترامب بالتأكيد. غير أن كل ما قررته الولايات المتحدة في عهده سيبقى إذا لم تغير المؤسسة الأميركية من سياستها.