كل طرف عند موقفه، لا شيء يوحي بأن خرقاً ما حصل، فالمبادرات المعمول عليها لإيجاد صيغة لعقد مجلس الوزراء وصلت إلى طريق مسدود.
 
وعليه، اعتبرت مصادر سياسية ان الوجهة الجديدة للمعالجة، تنطلق من معادلة اعتبار المعالجة السياسية، متقدمة على المعالجة القضائية.
 
ومن هذه الواجهة بالذات تردّدت معلومات عن إعادة احياء مساعي المصالحة، على ان يتولى الرئيسان نبيه برّي وسعد الحريري الجانب الجنبلاطي، وفريق حزب الله والتيار الوطني الحر الجانب الارسلاني.. لكن مصادر رئاسية معنية قالت ان الحديث عن مصالحة سابق لأوانه..
 
مراوحة في «البساتين»
 
في هذا الوقت، تراجعت أمس حركة الاتصالات والمشاورات بشأن معالجة ذيول حادثة قبرشمون- البساتين، أو بالاحرى انكفأت، بعد الزخم الذي شهدته أمس الأوّل بين بعبدا وعين التينة، والسرايا الحكومية، نتيجة تمسك طرفي الازمة كل واحد بشروطه حول إحالة الجريمة الى المجلس العدلي، ما ادى الى تراجع احتمالات انعقاد مجلس الوزراء هذا الاسبوع على الاقل ولا حتى مطلع الاسبوع المقبل كما كان يأمل رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي تردد انه كان ينوي السفر الى الخارج في عطلة نهاية الاسبوع لكنه أرجأ سفره لمزيد من الاتصالات والمتابعات للقضية ولغيرها من امور مستجدة، لا سيما بعد طرح رسالة رئيس الجمهورية الى المجلس النيابي طالبا تفسير المادة 95 من الدستور، لكن الزيارة إلى الخارج ما زالت مرجحة في الساعات المقبلة.
 
وكشف المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم لـ«اللواء» ان الامور لا زالت على حالها ولم يحصل اي تطور جديد، سوى تسليم طرفي المشكلة بمواصلة التحقيق لدى القضاء العسكري، وسيطلب هذا القضاء المطلوبين من الطرفين للاستماع الى افاداتهم، ومن ثم يقرر الوجهة التي سيسلكها قضائيا، وقد وعد الطرفان بتسليم المطلوبين من عندهما ونحن بالانتظار.
 
واوضح اللواء ابراهيم ان لا علم له بمبادرة جديدة لايجاد الحل، وقال: هناك مبادرة واحدة لا زلنا نعمل عليها، وهي تتطور تبعا لما يقترحه عليها الاطراف المعنيون من تعديلات او إضافات، وجوهر المبادرة يقوم على التحقيق في القضاء العسكري.    
 
وردا على سؤال حول ما تردد عن مبادرة لعقد لقاء مصالحة سياسية للاتفاق على الحل وانعقاد مجلس الوزراء؟ قال: انا لا علم لي ولا علاقة لي بالشأن السياسي، انا اعمل في الجانب الامني والقضائي، واذا قرروا اجراء مصالحة فليكن ذلك لعل فيها الخير.
 
وفي السياق ذاته، نفت مصادر مطلعه وجود اي معطى جديد في ما خص حادثة قبرشمون او جلسة مجلس الوزراء وانما اللواء ابراهيم سيتابع تحركه ولم يسجل اي تطور سلبي او ايجابي وبقيت الأمور كما هي.
 
كما ان اي حديث عن مسعى مصالحة ليس سوى كلام وفق ما اكدت المصادر نفسها.
 
لكن مصادر أخرى أكّدت أن شأن الاتصالات مستمرة للانتقال بالمساعي إلى تحقيق مصالحة بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديموقراطي اللبناني لنزع فتيل النزاع والتوجه إلى عقد جلسة للحكومة، مشيرة إلى ان التفاوض حول حادثة قبرشمون لم يعد إلى النقطة صفر، بل توقف عند النقطة الأخيرة حول التصويت على المجلس العدلي، كاشفة ان هذا الاقتراح اصطدم برفض من رئيس المجلس نبيه برّي بالإضافة إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فيما تأكد ان الرئيس الحريري غير مستعد للدعوة إلى أي جلسة لا تحظى بتوافق الجميع، ولا تكون من نتائجها تفجير الحكومة من الداخل، وهو أبلغ مراجعيه ان التصويت طرح تقسيمي.
 
ولفتت مصادر قضائية إلى ان هناك نية بتوسيع التحقيقات في المحكمة العسكرية، مع مروحة الادعاءات في الحادثة، ولن يتم الاكتفاء بالتحقيقات التي جرت في شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، علماً ان القضية باتت أمام قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل بعد ادعاء مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم على 21 شخصاً بينهم 4 موقوفين من الاشتراكي.
 
واسترعى الانتباه في هذا المجال، موقفان، الأوّل للرئيس ميشال عون امام وفد قيادة الجيش زاره للتهنئة بعيد الجيش الرابع والسبعين، أكّد يه ان المخرج الوحيد للأزمة القائمة نتيجة حادثة قبرشمون يتمثل في ما كان يجب اللجوء إليه منذ البدء، أي بتكليف السلطة القضائية بالتحقيق والبت بالأمر وفقاً لما يؤول إليه هذا التحقيق، مشيرا إلى انه هو مسؤول عن القوانين والدستور فيما السياسيون يعالجونها، وإلى انه أعطى مهلة للتخفيف من وطأة الخلاف حولها عبر المحادثات التي نشهدها.
 
والموقف الثاني من الوزير السابق وئام وهّاب الذي وصف في تغريدة له، العمل الجاري في المحكمة العسكرية بالـ«ممتاز»، وانه يجب الإسراع في عقد جلسة للحكومة، وهو ما دفع مصادر الحزب الاشتراكي إلى التحذير من تدخلات وزراء وجهات في شؤون المحكمة العسكرية، مشيرة إلى ان الحزب الديموقراطي لم يسلم إلى الآن المطلوبين لديه، لكي تكون التحقيقات عادلة.
 
جعجع
 
وليلاً غرد جنبلاط عبر «تويتر» شاكرا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على ما اعتبره «صراحته وجرأته وانه يقول كما نقول ان الخلاف في البلد سياسي وليس طائفياً».
 
وقال: «معه سنعالج بصبر وهدوء التفسيرات العشوائية لهذه السلطة المنحازة».
 
وكان جعجع قد اعتبر في مقابلة مع محطة MTV ضمن برنامج «صار الوقت» انه لا يُمكن نزع أي حادثة من اطارها الطبيعي، وان حادثة قبرشمون مرتبطة بما سبقها وبما سيتبعها، ورأى ان هناك إمكانية لتركيب ملف في قضية قبرشمون، وان القطبة المخفية في المجلس العدلي هي تعيين محقق عدلي يعينه وزير العدل.
 
وقال صحيح انني سألت لماذا لا تحال القضية إلى المجلس العدلي، الا انني لم اكن على علم بأن المحقق العدلي يتم تعيينه من قِبل وزير العدل، لذا انا اليوم ضد هذه الاحالة».
 
وكشف بأن «القوات» بصدد اعداد اقتراح قانون لإلغاء المحاكم العسكرية جميعها، لكن هناك أولويات، لافتا إلى ان «حزب الله» هو من يعطل مجلس الوزراء، وحادثة البساتين سياسية منذ بدايتها وهناك نية لتطويق وكسر رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط.
 
 
واعتبر جعجع الوزير جبران باسيل بأنه يُشكّل أكبر ضرر للبلد والمسيحيين لأنه يطرح اموراً غير مطروحة في حين ان أكثر ما نحتاجه اليوم هو الاستمرار السياسي لنتمكن من إنقاذ الوضع الاقتصادي، الا انه استدرك بأنه لا يشك بنوايا باسيل بتعزيز الوجود المسيحي في الدولة، لكن هناك طريقة لطرحها، مشيرا إلى انه مع المساواة والتعددية في مؤسسات الدولة، ولا يجوز تصوير الأمور على ان هناك رفضا لدخول المسيحيين إلى الدولة، وان ما يقوم به باسيل هو استحضار النعرات الطائفية.
 
وأوضح جعجع انه لم يندم ابداً لدعم عون لرئاسة الجمهورية، وان المصالحة المسيحية تمت قبل دعم القوات له بنحو سنة، لكن العهد لم يرد ان نستمر بالوقوف معه لأن باسيل لا يريد فريقاً مسيحياً قوياً.
 
وسأل جعجع: «ألا يستطيع الرئيس القوي إعطاء أمر بإغلاق المعابر غير الشرعية؟ وفي الحقيقة وزير الدفاع بوصعب تحدث ولم افهم عليه، هل التهريب يحدث في مزارع شبعا؟».
 
ولم يخف جعجع رفضه لرسالة الرئيس عون إلى المجلس النيابي حول المادة 95، وقال: انا لست مع هذه الرسالة، معتبرا ان الأولوية الآن لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي، متسائلاً: كيف يعمل رجل العهد الأوّل ضد العهد؟ (في إشارة إلى الوزير جبران باسيل).
 
وقال جعجع، الوزير الغريب ليس من يعطل الحكومة بل حزب الله، وهناك محاولة لعزل جنبلاط والعهد يلغي دورا في ذلك وهناك معطيات.
 
ولاحقاً علق الغريب رداً على جعجع: يبدو ان البعض خارج دائرة المشاورات الضيقة، ولا نستغرب ذلك، لذا أكثر ما يُؤكّد صوابية مطلبنا والمجلس العدلي هوو رفضه من قبل محكوم سابق منه.
 
احتفال الفياضية
 
وسط هذه الأجواء، حافظ احتفال تقليد السيوف للضباط المتخرجين من المدرسة الحربية، والذي يقام لمناسبة الأول من آب في الفياضية، على المشهد السياسي الجامع وبقي محطة من المحطات التكريمية للجيش اللبناني سواء من خلال إقرار الجميع بدوره وتضحياته من دون تمييز أو من خلال وضع خلافات السياسة جانبا ومشاركة المكونات اللبنانية فيه. وكانت صدفة ايضا  ان تتزامن هذه السنة مع مأزق سياسي بفعل غياب مجلس الوزراء لكن ذلك لم ينعكس على الجو الاحتفالي في ثكنة شكري غانم، بمشاركة الرؤساء الثلاثة وكافة المكونات السياسية.
 
اما كلمة الرئيس عون في الاحتفال، فقد حاكت هذه المأزق من دون الإشارة إليه بشكل مباشر، مثلما حصل في العام الماضي عندما توقفت عند أزمة تأليف الحكومة. صحيح انه سجلت دردشة على الواقف بين الرؤساء عون وبري والحريري، كما سجلت مرافقة الحريري لبري في السيّارة في طريق العودة من الفياضية إلى عين التينة إلا ان ذلك لم يترجم حلاً.
 
وفي كل الأحوال، فإن ما أشار إليه الرئيس عون في ما خص اتفاق الطائف، كان لافتاً غداة توجيه رسالته إلى المجلس النيابي لتفسير المادة 95 من الدستور، وكذلك التحذير من ان يصبح لبنان على طاولة المؤسسات الدولية المقرضة، كان رسالة للذين يستحضرون لغة الماضي وممارساته والعزف على وتر السياسيات»، ينتظر ان يتلقفها هؤلاء بتضحية مطلوبة من الجميع من دون استثناء لنجاح عملية الانقاذ.
 
واستوقفت إشارة الرئيس عون إلى اتفاق الطائف وتأكيد الالتزام بتطبيقه، الرئيس فؤاد السنيورة الذي علق على هذا الموقف بأنه يستحق التنويه والإشادة ويدفع للوقوف إلى جانبه لكي يتأكد ويعمم ويتم التزامه من جميع الوزراء وغيرهم من المسؤولين، ولكي يقترن القول بالفعل، لأن العبرة في نهاية الأمر بأن يكون الأداء والممارسة مطابقين لما قاله رئيس الجمهورية».
 
اما جنبلاط، فقد اغتنم تهنئة الجيش لتمرير موقف سياسي، فقال عبر «تويتر»: «التهنئة للجيش في عيده السنوي، فهو درع الوطن وحامي السلم الأهلي والاستقرار مع كافة الاذرع الامنية».
 
اضاف: «وعلى أمل ان يخرج البعض من عقلية الجبهات، وان يكون قولاً وعملاً مع الطائف، بعيداً عن التفسيرات والتأويل، فالمستقبل أهم من الماضي المتحجر، هكذا تقول الارصدة المتقدمة والعلمية».
 
وكان الرئيس عون شدّد في كلمته امام الضباط الخريجين على ان الاخطار التي يتعرّض لها الوطن ليست بالضرورة عسكرية فقط، «فالأخطار الاقتصادية أشد قساوة وأشد فتكاً، وهي أخطر ما يعاني منه لبنان اليوم، وتطال الجميع»، وقال في إشارة إلى ما حصل من تحركات أثناء إقرار الموازنة: «التضحية المرحلية مطلوبة من كل اللبنانيين بدون استثناء لتنجح عملية الانقاذ، فإن لم نُضحِّ اليوم جميعاً ونرضى بالتخلي عن بعض مكتسباتنا فإننا نخاطر بفقدها كلّها، حين يصبح وطننا على طاولة المؤسسات الدولية المقرضة وما يمكن أن تفرضه علينا من خطط اقتصادية ومالية قاسية».
 
واعتبر أنه لا ينفع لبنان في هذه المرحلة أن يستحضر البعض لغة الماضي، وممارساته، عازفاً على وتر الحساسيات، وطاعناً في صميم إرادة العيش المشترك ومتطلباته، التي ثبتها اتفاق الطائف، الذي « يشكل مظلة لنا لحماية الميثاق الوطني، عبر صون حقوق الجميع، وإحقاق التوازن بين مختلف شرائح المجتمع ومكوناته. ولا يمكن بالتالي لأي ممارسة أو موقف، أن يناقضا روحيته».
 
وأكّد ان الجيش أثبت على مر السنوات والأزمات أنه  فوق المصالح والتجاذبات، وأنه ضمانة الوطن. لافتاً إلى ان المكاسب والانجازات التي حققها خلال السنتين الماضيتين، تُدعم بتثبيت الأمن والاستقرار في الداخل، معتبرا ان «الامن خط أحمر ولا تهاون مع أي محاولة للتلاعب به، فشعبنا يستحق ان يعيش بأمان ويمارس كافة حقوقه بحرية ومن دون خوف في أي منطقة كان من لبنان».
 
تفسير المادة 95
 
وفي ما يتعلق بالرسالة الرئاسية لتفسير المادة 95 من الدستور، فقد علم ان الرئيس برّي لم يكن في الأساس مستعجلاً لدعوة المجلس إلى جلسة مناقشة الرسالة، ولهذا دفع الأمر إلى افتتاح الدورة التشريعية العادية في أوّل ثلاثاء بعد 15 تشرين الأوّل المقبل، ليكون امامه متسع من الوقت لبدء حركة اتصالات مع النواب الحاليين الذين عاصروا اتفاق الطائف مع عدد من النواب السابقين والشخصيات للوقوف على تفاصيل وخلفيات ما جرى في الطائف من نقاشات حول مسألة إلغاء الطائفية السياسية والمقصود من عبارة «مقتضيات الوفاق الوطني»، لبناء  تُصوّر لما يُمكن أن ينتهى إليه النقاش، علماً ان مصادر نيابية تتخوف من أن يفتح طلب تفسير المادة المذكورة الباب أمام نقاشات محفوفة بالمخاطر، خصوصاً إذا ما صدقت نظرية بعض من يقلقه هاجس المثالثة.
 
وإذ تُشير المصادر إلى أن الرئيس برّي الذي لا ينفك يطالب بإلغاء الطائفية السياسية ويرى فيها الحل لكل أزمات لبنان، لن يفوت فرصة من هذا النوع لتأكيد تمسك بوجوب إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية.
 
وتلاحظ ان المادة 95، التي قال مستشار رئيس الحكومة عمار حوري أمس انها «مادة واضحة باتجاه الدولة المدنية وإلغاء الطائفية السياسية، وان خلفية طرحها هي لأسباب انتخابية آنية او انتخابية رئاسية، هي مادة واضحة وتراعي مقتضيات الوفاق الوطني، فلو اراد المشرعون المناصفة في كل فئات الوظائف لما حصروها بالفئة الاولى التي تؤمن التوازن الطائفي المطلوب، بل تركوا التوظيف مفتوحا امام الكفاءات والخبرات بعيدا من الطائفية.