الاعتقاد السائد يقول إن الحرب مكلفة. ولكن بقاء الحال، لأربعين عاما أخرى، مكلف أكثر. وفي الواقع، فإن هناك من الأسلحة الحديثة ما يمكنه أن يُقعد كل أنظمة القيادة والإدارة والتحكم، في غضون ساعات.
 

الرسائل التي تتلقاها إيران في الأزمة الراهنة، تشجعها على التمادي. فبالقول إن أحدا لا يريد حربا، تفهم إيران أنها تستطيع أن تفعل ما تشاء وتنجو من العواقب. وبالقول إن الولايات المتحدة لا تريد إسقاط النظام، تفهم سلطة الملالي أنها في مأمن على الرغم من كل ما ترتكبه ميليشياتها من أعمال إرهابية.

نعم، توجد عقوبات اقتصادية. وهي نوع من الحرب الباردة. وتستطيع إيران أن تفهم من هذه الحرب أنها تقصد إضعاف نظامها لإجباره على تقديم تنازلات، وليس لإسقاطه. وهو ما يتيح لها المجال للمناورات والتعايش مع أنصاف التسويات.

ولكن يجب فهم طبيعة النظام الإيراني أيضا. إنه نظام أيديولوجي وثوري. بمعنى أنه أعمى، ويقوده عماه إلى التصلب باستمرار، وإلا فإنه يزعزع صورته أمام نفسه. لا يستطيع هذا النظام أن يتصرف كدولة طبيعية تمتنع عن التدخل في شؤون الدول الأخرى. هذا شيء غير طبيعي بالنسبة له. حتى أنه مخالف للدستور أيضا. إن تصدير الثورة جزء من هويته ومن طبيعته كنظام تدخلات وجرائم طائفية وميليشيات. لقد تمكن هذا النظام من التعايش مع أنماط ومستويات شتى من العقوبات من دون أن تتغير طبيعته، ولا نقصت جرائمه.

إيران مفصل استراتيجي في الكثير من القضايا والمصالح. الولايات المتحدة تفهم ذلك. وتستطيع أن ترى حجم الفائدة العظمى من وراء كسب هذا المفصل

في العام 1979 أصدر الرئيس الأميركي جيمي كارتر أمره التنفيذي رقم 12170 بتجميد الودائع والممتلكات الإيرانية. وفي العام 1984 حظرت الولايات المتحدة مبيعات السلاح لإيران. وفي العام 1995، أصدر الرئيس بيل كلينتون الأمر التنفيذي 12957 الذي يحظر تجارة الولايات المتحدة في صناعة النفط الإيرانية. وفي العام 1995 أيضا، أقر الكونغرس الأميركي قانون عقوبات إيران وليبيا (ILSA) الذي يقيّد نشاطات الشركات الأجنبية العاملة في إيران وليبيا، ومن ثم تكرس هذا القانون في العام 2006 ليكون خاصا بإيران وحدها. والقائمة طويلة. ولكن يمكن أن نفهم منها، باختصار، أن إيران تعيش تحت وطأة عقوبات اقتصادية على طول الخط تقريبا من دون أن تتعقلن، بل إنها ازدادت شراسة وعدوانية على طول الخط أيضا.

ما أريد قوله بسيط: العقوبات الاقتصادية التي لم تنفع من قبل، لن تنفع من بعد. إنها مضيعة حقيقية للوقت، ومصدر للكثير من المضار والخسائر، بما في ذلك للشعب الإيراني نفسه. هذا النظام لا يسقط إلا بالحرب. إن طبيعته الأيديولوجية تجعله مستعدا للتضحية بمصير الملايين من أجل أن يبقى. أصول النظام الصفوية التي قامت على جماجم الملايين من أبناء إيران، تجعله مستعدا لفعل أي شيء. وله في أيديولوجيته الوحشية ما يبرر ذلك.

ولقد كاد هذا النظام يسقط بالفعل في العام 1988 في ختام حربه ضد العراق، لولا أنه تجرع كأس السم وقبل الهزيمة. ولكن مجرد بقائه على قيد الحياة، أعاده بعد بضع سنوات ليكون أكثر شراسة مما كان، حتى في ظل وجود العقوبات. وبالفارق بين رئيس أميركي وآخر، وجد النظام الإيراني من المنافذ ما يستطيع أن يخفف عنه.

لا شيء ينفع مع إيران إلا الحرب. حتى الحرب لا تنفع ما لم يكن هدفها سقوط النظام وتطهير إيران من طائفيته ونظريته الظلامية. وحتى هذا لا يكفي. لقد أخطأ السلطان العثماني سليم الأول عندما ترك إسماعيل شاه الصفوي ينفذ بجلده قبل 500 عام، فعاد إلينا مجسدا بشخص خميني وخامنئي. وظل المشروع الصفوي ينز قيحا ودما إلى يومنا هذا. الاعتقاد السائد يقول إن الحرب مكلفة. ولكن بقاء الحال، لأربعين عاما أخرى، مكلف أكثر.

وفي الواقع، فإن هناك من الأسلحة الحديثة ما يمكنه أن يُقعد كل أنظمة القيادة والإدارة والتحكم، في غضون ساعات. كما يمكن اكتساح كل القوة الصاروخية الإيرانية، بضربات يمكنها أن تزيل الكثير من مخاطرها. وحالما يُصبح الهدف واضحا، فإن الشعب الإيراني، الذي عانى المظالم كلها، سوف يتكفل بالباقي.

لو قلنا لهذا الشعب إننا معك إلى النهاية، فسوف يكون معنا إلى النهاية. إنه من الشجاعة بحيث يتظاهر ضد نظامه تحت وطأة القمع الشديد، من دون أن يرى دعما من أحد. فما بالك لو أنه وجد دعما؟ أما ميليشيات إيران في العراق ولبنان واليمن، فلسوف تثبت الوقائع أنها أجبن من أن تشكل خطرا حقيقيا ساعة تكون مضطرة إلى البحث عن سبيل للنجاة.

إيران مفصل استراتيجي في الكثير من القضايا والمصالح. الولايات المتحدة تفهم ذلك. وتستطيع أن ترى حجم الفائدة العظمى من وراء كسب هذا المفصل. ولكننا بما نوصله من رسائل خاطئة إلى إيران، فكأننا نعتزم أن نتيح لأنصاف التسويات أن تمنح النظام الإيراني وقتا أطول، فنظل نرضخ لما يمليه علينا من الوحشية والإرهاب.