وكأن وليد جنبلاط متخصص جدا، بضرب هيبة اي وصاية على الشعب اللبناني.
 
المراقب عن بعد للمشهد العام الذي تعيشه المنطقة، وسخونة ما يجري في الخليج وعجقة القطعات العسكرية الاجنبية فيه لتأمين ما يسمى بالملاحة الدولية وأمن المعابر البحرية على أثر احتجاز ناقلات النفط، يضاف اليه حالة الاختناق الاقتصادي التي تعاني منها ايران جراء العقوبات الاميركية، والاستفزازات الاسرائيلية التي تخطت مداها الجغرافيا السورية وصولا إلى قلب العراق وقصف معسكرات الحشد الشعبي ( معسكر اشرف ) ومخازن الصواريخ الايرانية في صلاح الدين.
 
في ظل كل هذا التوتر التصاعدي، والحرب التي تشن على ايران وأذرعها وإن كانت حتى اللحظة تأخذ سياقها الاقتصادي، مع احتمالات تدحرجها بأي وقت للمنحى العسكري وبالتالي اشتعال كل المنطقة، في ظل كل ما يجري نجدنا نشهد على الساحة اللبنانية والتي تعتبر واحدة من أهم ساحات النزال المرتقبة بين ايران والمجتمع الدولي في القادم من الايام، معركة من نوع آخر يشنها حزب الله بشراسة على زعيم المختارة وليد جنبلاط، 
بالوقت الذي من المفترض أن يكون جل هم حزب الله هو تكريس ما يسمى بالوحدة الوطنية، وتصفير مشاكله مع كل الافرقاء اللبنانيين والعمل على توحيد الصف الداخلي، كمقدمة ضرورية للتفرغ لما هو متوقع بالايام القادمة ودوره  كجزء من المواجهة.
 
 
قد يكون "معمل عين دارة" وما يقال عن شراكة ماهر الاسد فيه، سبب كاف لاشتعال الجبهة بين الحزب والتقدمي، فمصالح آل الاسد واستمرارهم وبقائهم وتقوية شوكتهم تبذل دونها المهج وتقدم عند مذبحها الارواح، بالخصوص اذا ما كان قد قًِطع لهم "وعد صادق" بأن المعمل المذكور سوف يُفتح ولن "يقفل مرتين" 
وعليه فإن اقدام وزير الصناعة وائل ابو فاعور التقدمي، وتجرئه على إقفال المعمل "المقاوم"، لا يعد مجرد قرار اداري او خلاف بوجهات النظر القانونية وانما هو بمثابة تحد فاضح للارادة العليا وخروج على طاعة ولي الامر.
 
فحزب الله المتوجس خيفة من الايام القادمة وما قد تحمله، إن بسبب الشح المالي الذي يعانيه، او بسبب ما قد تؤل اليه الامور وما يفكر فيه الرئيس الاميركي، يدرك الحزب جيدا، ان وليد جنبلاط بما يمثل ومن يمثل سيكون اول الخارجين كعادته على الوصايا الجديدة، فهو دون غيره من الزعامات اللبنانية الذي قد يستشرف رياح التغيير القادمة على المنطقة، وهو دون غيره من الزعامات اللبنانية التي قد تعتبر اي انعطافة حادة له مساهمة فعلية في إعادة رسم لموازين القوى على الساحة اللبنانية، 
فوليد جنبلاط، الذي وقف يوم 14  شباط 2007 في ساحة الشهداء ببيروت، وصدح بخطابه الناري يومها متوجها بالقول الى بشار الاسد واصفا اياه ب "يا قردا لم تعرفه الطبيعة .. وحوتا لفظته البحار .... " وما كان قد سبقه من مساهمات جنبلاطية في تحطيم وتكسير وتفتيت ما كان يعرف بسطوة الوصاية السورية وحالة الرعب التي كانت مستحوذة على قلوب اللبنانيين، 
وكأن وليد جنبلاط متخصص جدا، بضرب هيبة اي وصاية على الشعب اللبناني، ووظيفته التاريخية، هي رفع حالة الخوف والوهن عن صدور كل الطامحين للحرية والسيادة في هذا البلد، وهو الخبير المجرب في اقتناص اللحظة لتحقيق ما يصبو اليه.
 
لعل الخوف من هذا الدور الريادي لوليد جنبلاط، والخشية من "يا قردا" جديدا، هو ما يجعلنا نفهم هذه الحرب الاستباقية الشعواء عليه .