إن اسلوب التعطيل المباشر وغير المباشر الذي ينتهجه البعض لمؤسسات الدولة وفي مقدمتها مجلس الوزراء هذه المرة، والإمعان في سياسة تغذية الخلافات بين بعض الأحزاب والطوائف ضمن سياسة فرق تسد،
 
الواقع السياسي في لبنان وطبيعة الاوضاع الرهنة السائدة فيه  ماهي إلا تعبير واضح على ان مايحصل خارج مفهوم ومنطق الدولة .
 
الواقع اليوم ان البلد يمر بمرحلة هي أخطر من أزمة الفراغ الرئاسي أو أزمات تشكيل الحكومات، التي لطالما تصل بعد عناء طويل وللاسف تبدا متعثرة وتقع في حال من الارباك ريثما يتحول الى شلل بعد فترة قصيرة من تسلمها دفة القيادة  ، حيث يستحضرالبعض منها جملة من المواقف والتي تصل احيانا الى مرحلة تهدد الكيان والمواثيق، الى جانب القيام بمحاولات لتكريس اعراف جديدة خارج منطق الدستور والمطالبة بحقوق لطوائفهم خارج مواد الدستور ايضاً، والذهاب إلى أبعد من ذلك للإيحاء بطاولة حوار وطني لتفسير مواد دستورية ومن بينها المادة 95 وخصوصاً الفقرة ب، وقاعدة إلغاء التمثيل الطائفي في الوظائف العامة باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وما يعادل الفئة الاولى كما هو واقع الحال اليوم .
 
إن ما يزيد من مخاطر الأزمات الراهنة التي يواجهها البلد ما هو الا تجسيد واضح وعملي لغياب هيبة الدولة وسلطة القانون، في ظل تهميش مخيف لدور السلطات الأمنية والقضائية وفي بعض الحالات منعها عن القيام بوظائفها وواجباتها لضبط الأمور ومنع الانزلاق نحو الفوضى . 
 
 
في هذا الوقت الذي يغرق فيه السياسيون في فسادهم ومراهناتهم الفئوية والطائفية، ففي ظل هذا التراشق الإعلامي المتفلت بين مختلف القيادات السياسية.  وسعيهم لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب الوطن والدولة ومؤسساتها، متجاهلين التهديد والمخاطر الخارجية التي تتهدد وطنهم وفي ظل الأزمة التي تعصف بالمنطقة، وخصوصاً من بوابة الخليج ومضيق هرمز، بالإضافة الى العديد من التحديات المالية والاقتصادية  على مستوى الداخل تفترض هذه المخاطر مع ما يرافقها من استهداف لبنان إسرائيلياً وأميركياً من خلال التصويب على مؤسسات الدولة اللبنانية والضغط عليها لوضع حد لدور حزب الله العسكري ونفوذه داخل الدولة اللبنانية، أن يبادر الجميع وعلى راسهم فخامة رئيس الجمهورية إلى حل كل الإشكالات الداخلية بما فيها حالة الهذيان والترف السياسي التي نتجت عن حادثة البساتين وإعادة تفعيل عمل مجلس الوزراء لمواجهة الأزمتين الاقتصادية والأمنية المتفلتتين من كل الضوابط وبالتالي استعادة الثقة الخارجية والداخلية بوجود سلطة فاعلة .  
 
إن اسلوب التعطيل المباشر وغير المباشر الذي ينتهجه البعض لمؤسسات الدولة وفي مقدمتها مجلس الوزراء هذه المرة، والإمعان في سياسة تغذية الخلافات بين بعض الأحزاب والطوائف ضمن سياسة فرق تسد، يُؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك ان لبنان اليوم ينطبق عليه توصيف اللادولة وهذه التصرفات تزيد من التعقيدات والخصومات بين الأطراف السياسيين في الداخل وتنعكس ضرراً على انتظام عمل السلطة في البلاد ونظرة الخارج إلى لبنان وعرقلة وتعطيل كل جهود ومساعي الحكومة والسلطة للنهوض العام ومقاربة المشاكل والقضايا التي تهم المواطنين وما أكثرها . 
 
إزاء ما يحصل واستمرار إطالة الأزمة الحكومية الحالية تحت مسميات معالجة احداث البساتين ومثيلاتها، يبدو ان كل مصطلحات التفاهم والاتفاق أو حتى تنظيم الخلاف وغيرها من المفردات وما شابه في إطار ما اصطلح على تسميته بالتسوية  تتهاوى رويداً رويداً، بالرغم من كل محاولات الحفاظ على ما تبقى منها والتغاضي عن الكثير من الاستئثارات السلطوية والتسلطية من أكثر من جهة حزبية وغيرها في حين ان المتغيّرات المتسارعة والصفقات التي تحضّر للمنطقة والاقليم عموماً، توجب أكثر من أي وقت مضى التنبه وأخذها على محمل الجد وبكثير من الاهتمام وبالحد المقبول من التضامن وتحديد الحصص، قبل فوات الأوان،وهذا ما يستلزم توجيه السؤال الى من بيدهم مقاليد الامور الى متى سبقى هذا الوطن اسير الانقسامات لئلا يدفع اللبنانيون ثمناً باهظاً للتسويات وعندها لا ينفع الندم .