تعريب العلوم في الجامعات العربية، يعتبر قضية قومية ملحة، فقد ثبت أنه ليس من المستحيل تعريب تعليم العلوم ومنها الطب والهندسة، بعد التجارب العربية خصوصاً بجامعتي حلب ودمشق، والتجربة السودانية والجزائرية والليبية، فالتعريب لا يقلل من جودة مخرجات الجامعات العربية، بل يعززها، كما يقول الخبراء والمختصون، لأن أفضل لغة للتعليم هي اللغة التي يفكر بها الطالب، وقد أصدر المؤتمر الطبي العربي الرابع والعشرون المنعقد بالقاهرة (19: 23 - 1 - 1988) قراراً يوصي بتعريب التعليم الطبي، واعتبار 1988، عاماً لبدء التعريب في جميع كليات الطب وكليات العلوم الطبية في الوطن العربي، الأمر الذي لم يتحقق إلى اليوم، مع العلم أن أول كلية طب في مصر عام 1827 كانت تدرس الطب باللغة العربية لأكثر من نصف قرن.


فالتعريب «يقصد منه على وجه الإجمال النقل إلى اللغة العربية من لغة أخرى»، ويعرف أيضاً بأنه صبغ الكلمة (المصطلح) بصبغة عربية عند نقلها، كما جاء في المعجم الوسيط. 


لقد نجح اليهود في بعث لغتهم من الرماد بعد أن اندثرت، وجعلوها لغة لتدريس العلوم التطبيقية مثل الطب والهندسة، وعند عجزهم عن إيجاد مرادف مناسب في القاموس العبري يأخذونه من العربية أو غيرها. لكننا نجد في مقابل هجمة تشكيكية في قدرة العربية على استيعاب العلوم مثل الطب والهندسة. وهذا محض افتراء على «العربية»، إذ فيها من الإمكانيات الاشقاقية ما يجعلها من اللغات القلائل التي تستطيع أن تواكب العلوم بسهولة ويسر، لكن على العرب أن يعيروا اهتماماً لمجامع اللغة العربية المنتشرة في كل قطر عربي، لأن بحوثها أهملت ولم تطبق، رغم جديتها وفوائدها. 


لذا، فإن الحفاظ على اللغة العربية ينبغي أن تكون من المهمات الأولى لوزراء الثقافة العرب، فلكل أمة لغة تحافظ عليها لتحافظ على هويتها.


واليوم في زمن العولمة بدأت تغزو شوارعنا الكلمات الأعجمية بحرف عربي، فالمتجول في البلاد العربية يرى التلوث البصري اللغوي، الذي يشتت الفكر والفهم، ويبرز حالة فقدان هوية تزدحم بها المحال والأسواق التجارية من دون ضرورة، فهل اختفت القرارات التي تعزز اللغة العربية؟ نعم ينبغي أن ننفتح على العالم ونتفاعل معه، ولكن لا مفرَّ من التمسك بـ«العربية» والحفاظ عليها وإعلائها.


لا بدَّ أن نحرص على إبراز لغتنا العربية في شوارعنا من دون أخطاء، فالمشاهد للغة الكتابة على الجدران ولوحات الدعاية والإعلان في شوارعنا، يلاحظ أنها تحولت إلى لوحات عشوائية، أفقدتها الهوية، فمن الحرف اللاتيني إلى حرف عربي بلفظ أجنبي ناهيك عن الأخطاء الإملائية، أما النحوية فحدث ولا حرج، في حين لو تجولت في شوارع باريس فإنك لن تجد كلمة واحدة إنجليزية، إلا للضرورة القصوى أو على باب سفارة بريطانيا لديهم، وكذلك في برلين، والصين أيضاً، فهل نخجل نحن من إبراز لغتنا؟!


الأوروبيون يؤسسون يوماً قومياً عالمياً لغاتهم (European day of languages) حمايةً لها من أجيال المهاجرين وخطر اللكنات عليها، ولهذا كانوا يشترطون إتقان اللغة، ويفرضون امتحانات ومناهج محددة منها لعل أشهرها اختبارات ILETS وTOFEL، بينما العرب يتجاهلون الخطر الداهم من وجود العاملين الأجانب الذين لا يجيد أغلبهم العربية ولا حتى اللغات الحية.


استمرار حالة العبث باللغة العربية وحروفها، سواء في الشوارع أو الجامعات، يجعل من معلمي اللغة العربية ومصححي اللغة، أصحاب الدور البارز في حماية اللغة، فهم حراسها الأمناء المخلصون.