ساعات وتنطلق القمّة الروحية في دار طائفة الموحدين الدروز. إنها ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها رؤساء الطوائف الإسلامية والمسيحية، ولن تكون الأخيرة في بلدٍ يُشعلُه «موّال». ساعات وتتحول فيها المرجعيات الدينية إلى رجال إطفاء يتشاركون أطراف الكلام قبل أن يؤكدوا على بيانٍ ختامي سبق إعدادُه، ولن يختلف في مضمونه عن بيانات القمم الأخرى كالذي صدرعام 2011 في قمّةٍ شهدتها دار الفتوى «التمسّك بالثوابت اللبنانية ومتانة العيش الوطني والتفاعل التاريخي بين المسيحيين والمسلمين واستقرار لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه». ولكن ماذا بعد هذه القمّة؟
 

يُلبّي اليومَ معظم المرجعيات الروحية دعوة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن للمشاركة في «قمة روحية»، إلّا أنها في الجوهر قمة طوارئ، في لحظةٍ استشعر فيها شيخُ العقل أنه ليس فقط أهل الجبل مَن يحتاجون الى التذكير بالمصالحة، إنما اللبنانيون كافة، خصوصاً مع اتّساع تداعيات حادثة قبر شمون. وهذه الدعوة لم تكن لتكتمل لولا ملاقاة رؤساء الطوائف له إلى منتصف الطريق عبر تجاوبهم مع الجولات والمشاورات التي قامت بها وفود من مشيخة العقل، فلم يعد يخفى على أحد أنّ معظم القمم التي تُعقد تكون إما لإطفاء فتيل، أو لتخفيفٍ من وهجِ نار تكاد تُطيح الوطن برمته، فتُسارع المرجعيات الروحية إلى الإطفاء. 

في هذا السياق، يتوقف مصدر خاص في حديث لـ«الجمهورية» عند توقيت القمة، قائلاً: «لم يعد هناك ما يُتفق عليه في البلد إلّا البيانات، والحمدالله لا خلافَ على الثوابت الوطنية ومشروع بناء الدولة، ولكن المقصود بكل ذلك تطويق ضمناً ما حدث في الجبل، فهناك شعور بوجود عاملٍ إقليميّ لمناصرة فريق على فريق في الجبل، أو جهة سياسية على أخرى فيه، وذلك لن يُعلن بشكل مباشر»، مشيراً إلى تخوّف فئة من «دخول عامل إيراني على الخط وعوامل خارجية أخرى، فكانت الدعوة الأساسية إلتزام مشروع الدولة». 

أما بالنسبة إلى أبرز القضايا والملفات التي ستُطرح في القمة، فعلمت «الجمهورية» أنه سيتمّ التأكيد على ثوابت الدستور والميثاق الوطني وعلى الشراكة الوطنية، وتكريس مصالحة الجبل، بالإضافة إلى تناول العلاقات بين الطوائف. كما ستكون هناك طلّة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزّم، الوضع المالي، الهجرة المتزايدة وما يدور حولنا من قضايا، كصفقة القرن، توطين الفلسطينيين، اللجوء السوري، وغيرها من القضايا التي تستوجب مشاورات بين رؤساء الطوائف. 

لن ندخلَ في «الزواريب»
من جهته، يوضح الشيخ عباس الحلبي ممثل الطائفة الدرزية في اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي المولجة تنظيم القمة: «منذ مدة لم تُعقد قممٌ روحيةٌ بهذا الحجم وهذه المشاركة، وقد حدثت تطوراتٌ شتى على صعيد العلاقات بين الطوائف، والتأزّم السياسي، والتدهور الاقتصادي، من دون أن ننسى التغيّرات في المنطقة، فكان من الطبيعي أن تبرز رغبة مشتركة بين الطوائف لعقد قمةٍ روحيةٍ مشتركة». 

ينفي الحلبي بنبرة حاسمة إمكانية التطرق إلى الكباش السياسي وإلى الشلل الحكومي قائلاً: «هدفُ القمة تناولُ الشأن الوطني برمته، وليس الشق السياسي، ففي السياسة حتى رؤساء الطوائف قد لا يتفقون فيما بينهم على قضايا كثيرة نظراً إلى طبيعة تركيبة الطوائف والسياسات الموجودة، ولكن في الشأن الوطني الكل متفق على ضرورة أن تُعقد هذه القمة»، مؤكداً «لن تدخل القمة في زواريبَ عطّلت الحكومة أو ما شابه، فهذا ليس شأن رجال الدين، إنما متروكة للسياسيين، وكل ما يهمنا هو السلم الأهلي». ويستطرد: «بين الفنية والأخرى تبرز مشكلات في لبنان وقد تتعرقل الحياة السياسية، «كل يوم مشكلة سياسية» فهل نعقد من أجلها قمةً روحية؟ المؤسفُ أنّ الأمور وصلت إلى حائط مسدود، لذلك لا بد من إعادة تصويب البوصلة في اتجاه الهدوء وحفظ العيش المشترَك».

رفعُ الغطاء عن السياسيين
ماذا بعد هذه القمة؟ يجيب الحلبي: «سيكون هناك بيان مشترك يُعيد تصويبَ البوصلة وبطريقة أخرى يضع حدّاً للسجالات العقيمة التي تحدث، خصوصاً أننا نسمع الكثير من كلام الشحن الطائفي والمذهبي. في نهاية المطاف هذا البلد لم يعد يحتمل هذا الكمّ الهائل من التحديات والأزمات. من هنا وجدانياً إرتأت القيادات الروحية إخراج بيان مشترك، يُصحّح مسار الأمور، يُعيد تذكيرَ اللبنانيين جميعهم بالثوابت التي أجمعنا عليها في الميثاق الوطني والدستور»، مشيراً إلى أنّ «اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي الممثلة بالمرجعيات الدينية والروحية سُتتابع مقررات هذه القمة». 

في هذا الإطار، يشير مرجع ديني إلى «أنّ القمة ستبقى حبراً على ورق، وسيبقى الاستشعار بالخطر جدّياً، والتشنجات السياسية قائمة، ما لم ينقل رجال الدين مضمون القمة وفحوى اللقاء إلى السياسيين، لأنّ القيادات الروحية ليس في يدها الحل والربط». 

ويوضح: «بصورة عامة أفلس معظم السياسيين، وتبيّن أنهم ليسوا بحجم أمانة الوطن، لذا على رؤساء الطوائف حسم أمرهم، وعدم ترك الساحة للسياسيين الذين أفرغوا البلد و»هشّلوا أولادنا»، علينا أن نتفق كرجال دين على تطبيق القوانين والالتزام بالأخلاقية والمعايير والقيَم الدينية، والإئتمان على المسؤولية والإخلاص للبلد، وحفظ المال العام والمصلحة العامة، فهذه مسلمات تُجمع عليها الطوائف والمذاهب كافة. يجب أن لا تقتصر القمة على إلتقاط الصور وإصدار البيان، إنما التشهير بكلّ رجلٍ سياسيّ لأيِّ طائفةٍ انتمى، أي أن نرفع الغطاء عن كل مَن يضيّع فرصة ترميم البلاد، ولا يزرع الثقة، ويُسخّر الوضعَ السياسي الاقتصادي لصالحه الخاص، عندها «الكل بيتربّو»، ولكن قبل أيّ شيء علينا التحلّي بالمناعة، التسلّح بالقيَم العليا الوطنية الكبرى، وإلّا لا نكون مخلصين للوطن ولا ملتزمين حيال المواطنين الذين هم أمانة وليسوا مجرد أصوات انتخابية». 

لا شك في أنّ القمة ليست فانوساً سحريّاً سيحلّ الأزمات المتكدّسة في النفوس، إلّا أنها ستُساهم في تبريد الأجواء، وتنفيس الاحتقان. فإلى أيّ مدى ستكون القمة صوت الضمير، صوت المواطنين واحتياجاتهم؟ تبقى العبرة في مرحلة ما بعد القمة...