تقرير يكشف عن عمولات مالية تلقاها رئيس الوزراء العراقي الأسبق لقاء تسهيل عقود شركة يديرها جنرال أميركي متقاعد.
 
يخشى رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، الذي يتزعم كتلة تضم 25 نائبا في البرلمان العراقي، من ظهور اسمه على لائحة العقوبات الأميركية، التي شملت مؤخرا أربع شخصيات عراقية، لصلاتها المشبوهة بالنفوذ الإيراني في البلاد، وتورطها في انتهاكات لحقوق الإنسان، وضلوعها في قضايا فساد.
 
وتشمل القائمة المتوقعة بالإضافة إلى المالكي شخصيات قيادية في العراق مثل فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، والسياسي السني المثير للجدل خميس الخنجر.

ويجمع مراقبون في بغداد على أن المالكي يمكن أن يدان بطيف واسع من القضايا، التي يعود معظمها إلى حقبته الثانية في رئاسة الحكومة، بين 2010 و2014، لاسيما بعد رحيل القوات الأميركية من العراق العام 2011، وفراغ الساحة الداخلية من أي رقيب.

واتهم المالكي باستخدام نفوذ الدولة لملاحقة خصومه السياسيين من الشيعة والسنة والأكراد، كما يتهم بالمسؤولية عن اختفاء عوائد بيع نفط البلاد والمقدّرة بمئات المليارات من الدولارات، خلال أعوام ولايته الثمانية.

لكن الاتهام الأكبر الذي يطارد المالكي يتعلق بمسؤوليته المباشرة عن سقوط نحو ثلث أراضي العراق بأيدي عناصر تنظيم داعش صيف العام 2014، وما ارتبط بذلك من سبي للأقلية الإيزيدية في سنجار، وسفك دماء الشيعة التركمان في تلعفر، وتهجير الملايين من سكان المناطق السنية، فضلا عن الخراب الذي أصاب البنى التحتية ومنازل السكان في ثلاث محافظات عراقية، سواء خلال حقبة احتلالها من قبل داعش، أو لدى عملية تحريرها.

وعبّر المالكي عن مخاوفه هذه علنا، عندما اعتبر أن التقارير الأميركية التي تشير إلى صلات مالية مشبوهة بينه وبين ضباط أميركيين تعود إلى حقبة ولايته الثانية، تقع ضمن دائرة الاستهداف السياسي وتمهّد لشموله بالعقوبات.

ويعتقد المالكي أن تكرار نشر تقارير أميركية تتضمن اتهامات ضده بالفساد، “في توقيتات متقاربة”، يستهدف “توريط شخصيات وطنية عراقية بملف العقوبات الأميركية، التي يبدو أنها تستند إلى مبدأ احتكار القوة وفرض الوصاية الدولية على حكومات وشخصيات سياسية مستقلة”.

ووصف المالكي اتهامات الفساد الأميركية ضده بأنها “مزاعم مغلوطة”، تتضمن “استهدافا سياسيا مكشوفا ولا تستند إلى أي مصدر رسمي أو مركز قانوني معروف”.

وكان موقع “ديلي بيست” الأميركي نشر، الأربعاء، نتائج تحقيق استقصائي عن عمولات مالية كبيرة تلقاها المالكي شخصيا وبعض أقرب مساعديه، لقاء تسهيل حصول شركة أميركية يديرها الجنرال المتقاعد فرانك هيلميك، على عقود تفضيلية في أربعة مواقع عسكرية داخل البلاد.

ويقول الموقع إن علاقة المالكي بالجنرال هيلميك، ازدهرت بعد انسحاب جيش الولايات المتحدة من العراق العام 2011، مضيفا أن المالكي استخدم نفوذه لمنع أي شركة أخرى، من منافسة شركة “سوسي” التي يقودها صديقه الجنرال الأميركي المتقاعد فرانك هيلميك.

وتتحدث مصادر سياسية في بغداد عن “دفعة جديدة من الشخصيات العراقية”، سيعلن عن شمولها بعقوبات وزارة الخزانة الأميركية، على غرار ما حدث لمحافظ صلاح الدين السابق أحمد الجبوري “أبومازن”، ومحافظ نينوى السابق نوفل العاكوب، وقائد القوة الشبكية في الحشد الشعبي ريان الكلداني.

وتقول المصادر إن استجابة الحكومة العراقية للعقوبات على هذه الشخصيات الأربع، ستشجع الولايات المتحدة على إصدار قوائم تضم شخصيات أخرى.

وكشفت المصادر أن رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، الذي يشغل منصب مستشار الأمن الوطني في حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، ربما يكون على رأس قائمة عقوبات جديدة، ستصدر عن وزارة الخزانة الأميركية.

وأضافت أن اسم رجل الأعمال السني المثير للجدل، خميس الخنجر، وضع فعلا في القائمة الجديدة، لكن المساعي مستمرة من قبله لتدارك الموضوع.

وإذا كان بإمكان الكلداني و”أبومازن” أن يسخرا من العقوبات الأميركية بسبب انعدام الأدلة التي تربطهما بأي حسابات مصرفية معروفة، فإن الأمر سيكون مختلفا للغاية مع المالكي والفياض والخنجر، إذ لدى كل منهم شبكة تعاملات مالية دولية، وأرصدة كبيرة في بنوك داخل وخارج البلاد، فضلا عن قيود الحركة والحرج السياسي، اللذين يترتبان على هذا النوع من العقوبات.

ولم يستبعد مراقب سياسي عراقي أن يكون المالكي قد وضع أمواله وممتلكاته في رعاية النظام الإيراني وحزب الله. لذلك لا يمكن أن تؤثر عليه العقوبات إلا على مستوى تعاملاته المالية من خلال البنك المركزي العراقي إذا ما تمكنت الجهات الأميركية المعنية من مراقبة عمله.

وبالرغم من أن المالكي صار بالنسبة للعملية السياسية أثرا من الماضي، غير أنه لا يزال قادرا على التأثير على عمل الدولة بطريقة خفية من خلال أتباعه الذين يتطلب اقتلاعهم كما حدث لمحافظ البنك المركزي السابق علي العلاق جهدا ومثابرة وتدقيقا، وهو ما ليست الحكومة العراقية قادرة على إنجازه في الوقت الراهن. لذلك فإن إدراج اسمه في لائحة المشمولين بالعقوبات الأميركية يفتح بابا على أمل إيقاف عمل واحدة من أكبر مكائن الفساد في العراق.

وتوقع المراقب في تصريح لـ”العرب” أن يحدث ذلك في أي لحظة. ذلك لأن العقاب الأميركي في لائحة أولى شملت أربعة من المتورطين مباشرة في عمليات فساد مالي تتعلق بالأموال التي ضخت من أجل إعمار المدن التي ضربها الخراب بعد احتلال الموصل والذي تحوم الشبهات حول مسؤولية المالكي المباشرة عنه يوم كان رئيسا للوزراء. لذلك يبدو الحبل قريبا من رقبة المالكي في هذا الوقت أكثر من أي وقت سابق. 

وقال “لقد سبق للمالكي أن فرّ إلى إيران بحثا عن حماية، بعد أن شعر بأن الأمور قد تنقلب ضده ويقاد إلى المحكمة. حدث ذلك مباشرة بعد سقوط الموصل بيد التنظيم الإرهابي داعش. وهو السيناريو الذي يمكن أن يتكرر الآن إذا ما صدر قرار أميركي ضده”.

وبغض النظر عن موقعه السياسي لا يزال المالكي هو الرمز الأكبر للفساد المالي والإداري في العراق، لا لأنه أثرى بطريقة غير مشروعة فحسب بل وأيضا لأنه سن قوانين وضعت الاقتصاد العراقي بين فكي ماكنة الفساد إلى أجل غير معلوم.