مشاهد سلبية تضع التسوية الرئاسية على المحَكّ
 
كافة المعطيات التي افرزتها الاتصالات والمشاورات المكثفة بين الرئاسات الثلاث والأطراف المعنية  بحادثة قبرشمون، لم تشكل أي بارقة أمل بأن الطريق أصبحت سالكة وآمنة للدخول إلى حل يرضى به الفريقين المعنيين مباشرة بالحادثة، ولا يترك تداعيات سلبية على الأوضاع العامة لا سيما على الوضع الحكومي الهش . 
 
ثلاثة مؤشرات تختصر اوجه الازمة. من الضاحية الجنوبية، أمل السيّد نصر الله في الاحتفال الذي أقيم في الذكرى السنوية 31 لتأسيس جهاد البناء، بأن يجلس زعماء الطائفة الدرزية للتفاهم، كاشفاً بأن الحزب مع ان يناقش ملف قبرشمون داخل الحكومة باعتبار هذا الأمر طبيعياً لأن أحد الوزراء كاد يقتل في الحادث .
 
 معلناً عن دعم غير خفيّ للحليف، الأمير طلال أرسلان، والتصويت لصالحه، إذا طرح الموضوع على التصويت في الجلسة، التي عليها ان تبحث تعرض وزير ينتمي إلى الحكومة لحادث اغتيال بخردقة سيارته بالرصاص .
من زحلة يخاطب وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل رئيس الجمهورية ميشال عون في يوم العرق اللبناني، داعياً الى تمرير الموازنة بشروط منها، تقديم اقتراح قانون أو مشروع قانوني يلغي المادة 80 من الموازنة، أو الغائها في مشروع موازنة العام 2020، منعاً للسوابق وانتصاراً للميثاقية. 
 
الرئيس سعد الحريري غادر في إجازة خاصة إلى الخارج. ومن يسمع بالخبر، يعتقد من دون أية معلومات انه اعتراض على عرقلة مساعيه لعقد مجلس الوزراء، بتوافق ضروري بين مكوناته، لمنع الاهتزاز داخل الجلسة، وحدوث أزمة غير قابلة للمعالجة لاحقاً . طفت هذه المشاهد السلبية على الوضع السياسي، وسط تصاعد أوار التجاذب الاميركي الإيراني، والعودة إلى التصعيد في كل من العراق وسوريا، واضعة التسوية الرئاسية على المحك . 
وباستثناء معلومات، عن جهود جدية جديدة تبذل لإيجاد حل لقضية حادثة البساتين على قاعدة احالتها إلى القضاء العسكري، استناداً إلى واقعة زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم للرئيس نبيه برّي في عين التينة في إشارة إلى إعادة تشغيل محركاته، فإن أي تطوّر ملموس لم يسجل لا على صعيد الاتصالات ولا على صعيد اللقاءات، فيما أظهرت المواقف استمرار التباعد بين الأطراف المعنية، سواء بالنسبة لضرورة عقد جلسة حكومية سريعاً، أو بالنسبة لملف إحالة قضية حادثة الجبل إلى المجلس العدلي . 
 
 
فإن إطلالة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، لم تأت بجديد بما يؤدي إلى حل أزمة الجبل، لا بل أعاد تكرار مواقف سابقة بالنسبة لحادثة قبرشمون، وبالنسبة لدعم حليفه النائب طلال أرسلان، ولم يضف شيئاً عمّا يقوله حليفه، تزامناً، قفز إلى واجهة الحدث السياسي موضوع تجميد قانون الموازنة للعام 2019 في قصر بعبدا، بسبب ما اعتبره بيان رئاسة الجمهورية لغطاً في القانون نتيجة شطب المادة 80 منه، الأمر الذي يفرض التريث لجلائه، الا ان اعتراف رئاسة الجمهورية بهذه الواقعة، أثار عاصفة من الردود السياسية التي اعتبرت تجميد القانون مساً بالطائف والدستور، في حين ذهبت مصادر مجلس النواب إلى حدّ التأكيد بأن المادة المذكورة أقرّت في الهيئة العامة ولم تشطب أو يتم تهريبها، ونوقشت كما جاءت من لجنة المال والموازنة.
 
وسارع مصدر حكومي مطلع إلى الرد على شرط السيّد نصر الله عقد مجلس الوزراء لنقاش حادثة الجبل مشيراً إلى ان سعي البعض إلى ربط الدعوة إلى جلسة مجلس الوزراء، بموضوع الاحالة، لا يقع في مكانه الصحيح لا سياسياً ولا دستورياً، مشدداً على ان الدعوة إلى مجلس الوزراء أمر يبته حصراً رئيس الحكومة الذي خوله الدستور توجيه الدعوة واعداد جدول الأعمال، وقالت مصادر حكومية، ان لا نية لدى الحريري لاحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي، ولا إلى طرحها امام مجلس الوزراء في حال وجهت الدعوة إليه. في حين تساءلت مصادر بعبدا، كيف تعقد جلسة حكومية وقضية الإحالة لم تبت بعد، بينما اكدت مصادر الحزب الاشتراكي بأننا قدمنا الكثير ولم يعد لدينا المزيد، فيما اشارت مصادر الحزب الديمقراطي بأن لا تراجع عن مطلب الإحالة إلى المجلس العدلي .
 
وأكدت جميع هذه المواقف على عقم الاتصالات القائمة، وان الوضع ما يزال يراوح من دون تسجيل أي تقدّم يذكر، لاشك ان حالة الارتباك القائمة والخوف من المصير المجهول الذي يسيطر على مستقبل لبنان والتسوية على حد سواء، الامر الذي يشير الى ضباب كثيف يحيط بها والخوف من تعاظم عمليات الارتجال في الاصطفافات والتموضعات الغوغائية في الوقت الراهن.