تبدّلت التقييمات الغربية حول الأزمة الحكومية التي يمر فيها لبنان بسبب حادثة قبرشمون. في البداية كان التقييم الخارجي بأنّ الحكومة اللبنانية لن تتعطل كون استمرار وجودها يشكّل مصلحة حيوية لجميع الفرقاء اللبنانيين الى اي جهة انتموا. لذلك لم يبدِ معظم الديبلوماسيين الغربيين يومها اي قلق حيال مصير الحكومة، وانّ النزاع الحاصل سيبقى محصوراً ضمن الاطار اللبناني الضيق، وانّ اللبنانيين سيبتدعون سريعاً مخرجاً لأزمتهم كما عوّدونا دائماً. لكن هذه الصورة المطمئنة تبدّلت أخيراً، ليرتفع منسوب الشكوك لدى الديبلوماسيين الغربيين في أنّ مصير الحكومة اللبنانية صار مرتبطاً بالأزمة الاقليمية العريضة.
 

اللقاء الاخير الذي جمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برئيس الحكومة سعد الحريري لم يكن ايجابياً، بل سادته اجواء سلبية. الرئيس عون تجاوز قبوله السابق بحل المحكمة العسكرية وبَدا اكثر تشدداً حين قال للحريري انه يجب التعامل مع حادثة قبرشمون في اطارها الصحيح. فهذه الحادثة كانت تستهدف عائلتي وبيتي (في إشارة الى الوزير جبران باسيل)، ولا أحد يقبل ان يدخلوا الى بيته بهذه الطريقة.

بدوره، الرئيس الحريري اعتبر انّ التراجع عن حل المحكمة العسكرية والسعي لإسقاط البند 80 من الموازنة سيأخذ الحكومة في طريق صعب، وسيدفع بالبلد في اتجاه مجهول.

وجاء كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بعد ساعات ليؤشر الى مسألتين: الاولى الاهمية الكبيرة التي يوليها «حزب الله» لحادثة قبرشمون جرّاء المساحة الواسعة التي خصصها من خطابه لهذه المسألة، وثانياً دعم موقف «الحليف» طلال ارسلان وهو ما سيؤدي حكماً الى تمسّك ارسلان بطرح المجلس العدلي الى النهاية، مع ما يعني ذلك تعليق عمل الحكومة الى أجل غير مسمّى.

في الأروقة الديبلوماسية سعي لاكتشاف الخيوط التي تربط بين أزمة الحكومة والتطورات الاقليمية، وماذا تعنيه ورقة الحكومة اللبنانية في لعبة النزاع الاقليمي المعقد والخطير.

وفي الأروقة الديبلوماسية ثمة اقتناع بأنّ الحريري لن يتراجع عن موقفه حيال عدم طرح حل المجلس العدلي على الحكومة، وأنّ السعودية تدعمه بقوة في هذا التوجه.

وفي الوقت نفسه تساءل هؤلاء عن السبب الفعلي الذي دفع برئيس الجمهورية لتبديل موقفه بعد ان كان قد وافق على حل المحكمة العسكرية، وهو ما كان أبلغه الى الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، اضافة الى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم.

الواضح بالنسبة للغربيين انّ ثمة معطى تبدّل وله علاقة بقراءة اوسع للمشهد، وان الرئيس الحريري أبلغ من التقوه أنه واثق من أن الرئيس عون يريد ضمناً المحكمة العسكرية، ولو انه تراجع عن موقفه خلال زيارته الاخيرة لقصر بعبدا، لسبب ما يزال غير واضح ولدى الفريق المناوئ لـ«حزب الله» قراءاته الخاصة التي تربط الاحداث في سياق واحد.

ويعتقد هؤلاء انّ «حزب الله» عاد ليمسك بورقة الحكومة اللبنانية انطلاقاً من شكوكه حيال وجود ترابط في مسار الاحداث الاقليمية. ووفق هؤلاء فإنّ الحزب كان أبدى ارتيابه خلال المرحلة الماضية من السلوك السياسي لجنبلاط، والذي يحمل في طياته «نكهة» إقليمية فاقعة، بدءاً من موقفه حيال مزارع شبعا وفق توقيت حساس، ومن ثم انخراطه في معركة تجفيف مصادر تمويل الحزب من خلال التضييق عليه.

وانّ التطورات اللاحقة عادت وأظهرت التداخل اللبناني بالشأن الاقليمي من جديد، حيث جرى رصد الغارة الاسرائيلية التي استهدفت موقعاً للحزب في سوريا قريباً من الحدود مع لبنان بعد ساعات من حادثة قبرشمون، والتحليق على علو متوسط فوق لبنان، ومن ثم الغارات الاسرائيلية على مواقع للحزب في المناطق القريبة من البلدات الدرزية جنوب سوريا. كذلك، القصف الذي نفّذته طائرات اسرائيلية من نوع «أف 35» في أولى مهماتها على مواقع للحشد الشعبي وسط العراق.

وحسب هذا الفريق المناوئ لـ«حزب الله» فإنّ هذه الصورة جعلته في موقع الحذر حيال ما يجري، ودفعته للربط بين الاحداث الحاصلة وبين وجود نيّة لمحاصرته في الداخل اللبناني، وأنّ جنبلاط عاد ليستعيد دوره السابق إبّان انقسام 8 و14 آذار.

ووفق هذه القراءة تعتقد هذه الاوساط انّ الايام المقبلة تبدو صعبة ومفتوحة على كافة الاحتمالات، وأنّ على حكومة لبنان انتظار ما سيؤول اليه الواقع الاميركي - الايراني، والتعويل على الوساطة العمانية التي تحمل بداية مشجعة.

صحيح أنّ إطلاق ايران صاروخاً تجريبياً يحمل مؤشرات تصعيدية، الّا أنّ المفاوض الايراني مشهود له ببراعته، وهو اعتاد ان يلوّح بالسيف كمستلزمات ضرورية لافتتاح المفاوضات. وزيارة وزير الخارجية العماني لطهران تحمل أهمية بالغة ومؤشرات متفائلة، ليس فقط لأنها الثانية خلال شهرين، بل لأنها جاءت علنية ورسمية، واصطحب معه وفداً جرى انتقاء أعضائه بعناية. 

والاعلان عن الزيارة بهذه الطريقة مؤشر ايجابي، والّا لكانت الزيارة بقيت سرية وهو ما كان يحصل سابقاً.

وقيل انّ بن علوي حمل عرضين: واحد من واشنطن والآخر من لندن. وفي الكواليس الديبلوماسية همسات حول وجود تفاؤل بقرب تبادل الافراج عن حاملتي النفط بين بريطانيا وايران، وهو ما يعني بداية لاستعادة المفاوضات بين طهران وواشنطن. فالرئيس الاميركي المرجّح فوزه في الانتخابات المقبلة تحدّثَ هاتفياً مع رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون حيال ايران. ولجونسون مصلحة داخلية في إقفال ملف أزمة ناقلتي النفط.

ووزير الخارجية الاميركي كان قد اعلن انه مستعد لزيارة ايران، لكنّ ذلك لا يعني ابداً انّ إنجاز تفاهمات اميركية - ايرانية أصبح قريباً، فالتفاوض شيء والتفاهم شيء آخر. وهو ما يدفعنا للاعتقاد انّ على لبنان انتظار بعض الوقت قبل اتّضاح الصورة الاقليمية، وبالتالي اعادة الحكومة الى الوجود... وإلّا...