هل هناك من يريد توريط الرئيس أم يقصد إضعاف أميركا وتفتيت نسيجها المجتمعي؟


لا ينفك الديمقراطيون يحاولون تسخير إشكالية «روسيا - غيت» من أجل تحقيق مصالح ربما تبدو للمحلل المحقق والمدقق في الشأن الأميركي هشة إذا ما قورنت بالآثار السلبية والاستحقاقات والتبعات الكارثية التي ستنجم عنها.
الأربعاء الفائت كان روبرت موللر، المحقق الخاص في القضية المزعجة، يمثل أمام الكونغرس مستجوباً في شأن علاقة ترمب بالروس، وهل كان هناك تواصل مباشر بين حملة المرشح الجمهوري والكرملين، مكّنته من الفوز، وكبدت غريمته هزيمة نكراء أم لا؟


في شهادته قطع موللر بأن روسيا قد تدخلت بالفعل وبطريقة ممنهجة في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، غير أنه وفي معرض رده على أسئلة رئيس اللجنة الديمقراطي جيري نادلر، نفى نفياً مؤكداً أن تكون حملة ترمب تآمرت مع روسيا، بل إلى أبعد من ذلك، فقد جزم بأن التحقيقات لم تستنتج أن ترمب مذنب بعرقلة العدالة.


قبل شهادة موللر بأيام، وتحديداً الأحد السابق لـ«أربعاء موللر»، كان نادلر الرئيس الديمقراطي للجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، وفي حوار له مع برنامج «فوكس نيوز صنداي»، يقطع باعتقاده في وجود أدلة أطلق عليها لفظة جوهرية، على أن ترمب ارتكب تجاوزات، وأن مفتاح إدانة الرئيس، في خزانة موللر، وأنه ينبغي إخضاع الرئيس للمحاسبة من قبل الشعب الأميركي... هل هي نوايا ديمقراطية مبيتة بالفعل عبرت عنها نانسي بيلوسي بدروها مرات كثيرة، بوصفها رئيسة مجلس النواب، وزعيمة الديمقراطيين فيه؟


المتبصر في تصرفات النواب الديمقراطيين، يكاد يجزم بأن المشهد السياسي الأميركي الداخلي يعيش لحظة ضبابية، تصل إلى حد المكايدة السياسية، ومن قبيل ذلك، المماحكات الأخيرة التي جعلت اللجنة القضائية عينها تطلب استدعاء 12 شخصاً مقربين من ترمب للشهادة؛ بهدف تحديد ما إذا كان الرئيس الأميركي قد حاول عرقلة التحقيق في شأن الأزمة الروسية أم لا، وفي المقدمة من هؤلاء صهره ومستشاره المقرب جاري كوشنر.


يمكن للمرء أن يصدق أن الروس وفي صراعهم القطبي المستقر والمستمر مع الأميركيين، كانوا ولا يزالون مهدداً رئيسياً للانتخابات الرئاسية الأميركية، سواء في 2016، أو الانتخابات القادمة 2020، ولا سيما أن مدير مكتب التحقيقات الاتحادية كريستوفر راي، كان قد أشار في اليوم السابق لشهادة موللر، أي الثلاثاء، إلى أن الروس ما زالوا مصممين على محاولة التدخل في الانتخابات الجديدة.


لكن ما هو غير مفهوم هو تلك المحاولات الديمقراطية المستميتة لتوريط ترمب، فهل الهدف هو عداء شخصي للرجل، أم محاولة إخراجه من البيت الأبيض من دون ولاية ثانية؟


الشاهد، أن الأخطر من الإجابة هو علامة الاستفهام الاستحقاقية من وراء ذلك، أي ما هو تأثير ما يحدث على النسيج الاجتماعي الأميركي الذي تعرض لكثير من الاهتراء في السنوات الثلاث الماضية؟


في توقيت له دلالاته، الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ومع انطلاقة الحملة الانتخابية الرئاسية، سوف يصدر في الأسواق الأميركية، وعن دار «سنتر سنتريب» للنشر كتاب عنوانه «الصدمة... كيف يقتات اليسار على الكراهية»، أما مؤلفه فهو دونالد ترمب جونيور، ابن الرئيس، الذي يحاول جاهداً كشف ما يسميه الحيل التي يستخدمها اليسار الأميركي من أجل تشويه المحافظين، وكيف أنهم لا يتركون قضية إلا ويوجهون لها سهام النقد والشك، ضمن ترويج خطابات الكراهية في البلاد.


هل هي سياسة أفضل وسيلة للدفاع الهجوم، تلك التي يتبناها الابن الأكبر للرئيس في مواجهة الحزب الديمقراطي؟


ربما يكون ذلك كذلك بالفعل، الأمر الذي يتساوق مع تصريحات والده الرئيس ترمب الذي وصف حملات الديمقراطيين الأخيرة بأنها «حملة اضطهاد سياسي زائف»، ضد شخصه.


السؤال الواجب أن يقض مضاجع الأميركيين ديمقراطيين وجمهوريين معاً: «هل ما يجري من سجالات بين الحزبين الكبيرين ينعكس برداً وسلاماً على الأميركيين أم ناراً وأحقاداً وكراهيات؟


آخر استطلاع رأي أجراه معهد «بيو» الموثوق في واشنطن، أشار إلى أن 69 في المائة من الأميركيين قالوا إن الحكومة الاتحادية تحجب المعلومات المهمة عن عامة الناس، فينما ذهب نحو 91 في المائة إلى أن وسائل الإعلام تتجاهل عمداً أحداثاً مهمة، ومال 60 في المائة إلى أنه من الصعب معرفة الفرق بين الحقيقة والكذب عندما يستمعون إلى المسؤولين المنتخبين.
هل تشارك أزمة موللر في تعزيز وضع أميركا كدولة منقسمة على ذاتها، غير مرتاحة طبقاتها الديموغرافية بعضها إلى بعض؟