ذا صدف وعلقتَ في زحمة السير على أوتوستراد المتن الساحلي وفتحتَ نافذة السيارة، تخنقكَ حتماً الروائحُ الكريهة، فكيف بأهالي المتن وسكانه الذين تحمّلوا إخفاق السلطة في معالجة ملفّ النفايات، والذين يتحمّلون تداعيات الحلول غير العلمية والعشوائية؟ مطمر برج حمود – الجديدة، الرابض على بحر المتن يستمرّ بتلويث البحر والهواء وتسميم حياة سكان الساحل. ومجدداً من المُتوقّع أن تضع السلطة أهل المتن بين السيّئ والأسوأ، فتدفّعهم ثمن عدم مبادرتها لإيجاد حلٍّ نهائيٍّ منذ 4 سنوات إلى الآن. فإمّا الإستمرارُ بالعمل بهذا المطمر وتحويله مجدداً جبلَ أمراض وأوبئة على «فقش الموج» وإمّا تعود النفاياتُ لتزيّنَ الطرقات والشوارع.
 

لا يختلف لبنانيان على أنّ الروائح ناجمة عن النفايات والمجارير ومخلفات المكبّات والمسالخ. الرائحة الكريهة ليست نتيجة التلوث الوحيدة في المنطقة. فالحشرات «الغريبة العجيبة» وازدياد الأمراض وضيق التنفّس كلّها إشارات إلى مسببات الرائحة. لكن وزارة البيئة كانت تحتاج رأيَ خبيرٍ دوليٍّ متخصصٍ لتقتنع بسبب هذه الروائح. 

يبدو أنّ اللبنانيين جميعَهم خبراء، إذ إنّ الخبير حلّل أسباب الروائح المنبعثة في بيروت الكبرى وخلُص إلى أنّ مصدر الروائح هو «المجارير والنفايات». ومع إقتراب وصول مطمر برج حمود – الجديدة إلى سعته القصوى، وعلى رغم المعرفة السابقة بذلك، وصلت الحكومة إلى ساعة الصفر من دون تحضير أو بديل. أمّا الحلّ الموقّت بالنسبة إليها فهو زيادة علوّ أو إرتفاع المكب. وبالتالي، التلوُّثُ باقٍ والروائحُ باقية والنفاياتُ إلى أعلى وأعلى.

تشتهر الحكومات المتعاقبة بهواية «اللعب على حافة الهاوية». وفي حين تلوح المشكلات أمام ناظريها قبل سنوات من حصولها، إلّا أنها تنتظر لحظة الإستحقاق الأخيرة، لإغراق الناس بالأزمات والكوارث، وإبتداع حلولٍ سريعة ومكلفة مالياً وصحياً وبيئياً، وإدّعاء أنها وقتية إلى حين تنفيذ الحل النهائي. وإذ تمرّ السنوات وتكرّر الأزمة نفسها. أزمة النفايات التي ستنفجر قريباً في ساحل المتن، «déjà vu» في عام 2015. 4 سنوات والأزمة مكانَك راوح. كلّ الخطط والحلول التي تقدّمت بها جمعيات مدنية بيئية وخبراء بيئيون لم تلقَ آذاناً صاغية، وكذلك صرخة اللبنانيين، وسكان المتن تحديداً. أبسط الإجراءات لم تعمد السلطات المختصة إلى فرضها. الفرز أولاً.

وفي محاولةٍ لمنع وقوع أزمة بسبب عدم قدرة مطمر برج حمود – الجديدة على إستيعاب كميات إضافية من النفايات، وهو مطمر موقّت منذ سنوات، ترأس رئيس الحكومة سعد الحريري، الأربعاء المنصرم، اجتماعاً في السراي الحكومي، حضره وزير الدفاع الياس بو صعب، وزير البيئة فادي جريصاتي والنواب ادغار معلوف والياس حنكش وسامي الجميل وادي ابي اللمع وهاغوب بقردونيان.

ورداً على سؤال، عن توسعة مطمر برج حمود، أجاب جريصاتي: «سيُتخذ القرار الأسبوع المقبل».

هذا الملف من أبرز الملفات التي حملها حزب الكتائب إعلامياً وبالنزول إلى الشارع وصولاً إلى القضاء. وفي الإجتماع مع الحريري، أكد الجميل موقفه الرافض لتوسيع مكب نفايات منطقة الدورة وبرج حمود، خصوصاً بعد الضرر البيئي الكبير الذي أصاب المنطقة والإنعكاسات الخطرة على صحة الناس القاطنين في محيط هذين المكبَّين في السنوات الاخيرة. وعرض بدائل عملية لهذين المكبَّين على المستويَين القريب والبعيد.

بالنسبة إلى الكتائب، برهنت «هذه السلطة أنها عاجزة، بل متواطئة، إذ إنها تخيّر المواطنين دائماً بين السيّئ والأسوأ، للوصول إلى حلٍّ تستفيد منه مكوّناتُها». ولا يلمس الكتائبيون أيَّ «جدّية لدى الحكومة في معالجة أيِّ ملف، إن ألنفايات أو غيرها، فقراراتُ مكوّناتِها والحلولُ التي يقدمونها دون مستوى التحديات التي نواجهها».

الحلُّ على الأمد الطويل الذي تطرحه الكتائب يعرفه الجميع، يقول حنكش لـ«الجمهورية». ويشير إلى أنّ «هناك عشرات الخطط والحلول التي يمكن الحكومة درسها والأخذ بها في هذا الإطار. وتُجمِع كلّها على ضرورة بدء الفرز من المصدر، ثمّ تسبيخ وفرز النفايات لتخفيف الكمية التي ستُطمر... ومعالجة النفايات الإلكترونية والسامة... والإستفادة من إعادة تدوير جزء من النفايات ومن تحويل جزء آخر إلى سماد أو «سواد» بالعامية، يُستخدَم في الزراعة أو يُرمى في الأحراج إذ لا يخلّف أيّ ضرر».

للحلّ على المستوى البعيد تفاصيل عدة ويتطلّب بحثاً خاصاً، لكنّ المتن وضواحيه وبحر لبنان وشواطِئَه أمام كارثة مقبلة إذا مُدّد العمل بالمطمر الذي يصبّ في بحرنا المتوسط الذي أصبح ملوَّثاً ومتّسخاً، وبيروت أمام أزمة كبيرة إذا أُغلق من دون تأمين بديل. والحلُّ على المدى القصير يقضي بالنسبة إلى «الكتائب» بـ»إيقاف الجريمة الحاصلة في برج حمود والدورة والجديدة، والتي تسبّب روائحَ وحشراتٍ وأمراضاً. المنطقة منكوبة بسبب هذه الجريمة التي حذّرنا منها ومن تداعياتها مئات المرات ومنذ سنوات». ويقول حنكش: «لكن كالعادة لا تقتنع هذه السلطة بسبب تعنّتها وفوقيّتها بأيّ دراسة وتذهب نحو الأسهل مهما كان ضرره».

الحلّ القصير المستعجل، الذي طرحه وزير البيئة في الإجتماع مع الحريري وعدد من نواب المتن، هو رفع أو «تعلاية» مطمر برج حمود متراً إضافياً بدلاً من توسيعه. ويوضح حنكش أنّ «الجميع يعترفون أنّ هذا الحلّ يُعتبر كارثة، إلّا أنهم يعتبرون أن لا حلَّ آخر. ونحن لن نوافق عليه، على رغم أنهم يقولون مثل ما قالوا منذ 4 سنوات: «إمّا تُرمى النفايات في الشوارع أو في البحر».

أمّا الحلّ الذي طرحه الجميل خلال الإجتماع، فهو الإتفاق أولاً على وقف الطمر في البحر على ساحل الكوستابرافا والمتن، والعمد إلى جمع النفايات ونقلها إلى مناطق نائية، مثلاً إلى السلسلة الشرقية أو أيّ مناطق أخرى نائية، بعيداً عن الناس ومن أيِّ ضرر على المياه الجوفية. إذ، في السلسلة الشرقية لا يمرّ شريانُ مياه تحت الأرض وهي خالية من السكان، بل بعيدة عنهم، فهي جبال قاحلة، وينشط هناك عملُ الكسارات أيضاً. 

أما الرد على طرح الجميل فكان أنّ طريق ضهر البيدر لا تتحمّل مزيداً من زحمة السير. فأجاب نائبا الكتائب: «بسيطة. نحدّد آليةً لسير الشاحنات المحمَّلة بالنفايات، مثلاً من الواحدة بعد منتصف الليل إلى السادسة صباحاً». 

ويؤكّد حنكش أن «على صعيد الكلفة، تبلغ كلفة الفاتورة الصحية التي تسبّبها رائحةُ النفايات في ساحل المتن أكثر بكثير من كلفة النقل إلى البقاع، خصوصاً أنّ الطريقة التي يطمرون فيها على الساحل تكلّف كثيراً»، مشيراً إلى أنّ «المنطقة منكوبة بسبب هذا المطمر الذي أدّى إلى تلوّث البحر».

وإذ يذكّر بـ»أننا استقلنا من الحكومة وعقدنا مؤتمرات صحافية وتحركنا على الأرض، تحذيراً ممّا نحن قادمون عليه، إلّا أنّ أحداً لم يسمع أو يتحرّك»، يقول: «لا نثق بطريقة إدارة هذه الملفات الدقيقة. ونخاف من أن يخيِّروا الناسَ ويقولون إنّ لا حلّ إلّا بالمحارق». ويسأل: «مَن يمكنه أن يثق بهذه السلطة ويأتمنَها على إدارة محارق دقيقة تُلوّث الجوّ ويُمكن أن تؤدي إلى أمراض خطيرة في وقت لا يمكنها وضعُ «فلاتر» على دواخين الزوق؟».

وعلى صعيد المحارق تمكّنت الكتائب مع نواب آخرين وفاعليات بيروتية من إضفاء جوٍّ ضاغط لإيقاف المحرقة، لكن «لا نعلم متى «تنطّ من الشباك» مجدداً»، يقول حنكش.

أمّا طريقة مواجهة توسعة أو «رفع» مطمر برج حمود، فتدرسها الكتائبُ على أكثر من مستوى للمواجهة، عبر القضاء والإعلام والتحركات على الأرض. وكانت «الكتائب» رفعت دعوى لوقف الأعمال في برج حمود منذ 3 سنوات، وإلى الآن لا حكمَ في القضية.

لسانُ حال جميع المتنيّين: «خلْصونا بقى... عم تقتلونا». فهل تحتكم السلطة هذه المرة إلى «ضميرٍ إنسانيّ» وإلى حلولِ وخططِ الخبراءِ والاختصاصيين؟