عملية الحارس التي تعدّ لها القيادة المركزية الأميركية، لحماية خطوط الملاحة في الخليج، لن تعدو كونها مشروعا لنشر سرب من البط، يسعى قادته للحصول على أوسمة من الحرس الثوري الإيراني نفسه.
 

اختطف الإيرانيون ناقلة نفط بريطانية، تحت أنظار من كان يفترض أنهم حراسها. السؤال الذي لن يعرف الحراس الإجابة عليه هو: لماذا لم تطلقوا النار؟

التسجيلات للمناوشات الصوتية بين قوات الحرس الثوري والفرقاطة الحربية “مونتروز” أظهرت ميلا مدرسيا ليس من عادة العسكريين أن يظهروه.

قوات الحرس الثوري أصدرت الأوامر للناقلة ستينا أمبيرو بالاستدارة 360 درجة مع تحذير يقول “إذا كنت تطيع، فستكون بأمان”، فرد قائد الفرقاطة البريطانية، وهو يُمسك بالدفتر “أنتم الآن في ممر عبور في مضيق دولي، وبموجب القانون الدولي، لا يمكن لأحد اعتراض طريقكم، أو إعاقة سيركم، أو عرقلتكم، أو منعكم”. وطلبت الفرقاطة البريطانية من السفينة الحربية الإيرانية تأكيد أنها “لن تخرق القانون الدولي” بمحاولة الصعود إلى متن الناقلة.

جواب قوات الحرس الثوري، لا توجد كلمات لقوله، لأنه نوع من إهانة صوتية، انتهت باختطاف ناقلة تحمل علم “بريطانيا العظمى”. لماذا لم يطلقوا النار؟

ربما لأن قائد تلك الفرقاطة كان يأمل بالحصول على جائزة نوبل للسلام، ولكن بالتأكيد، لأنه لا يملك الأوامر التي تسمح له بإطلاق النار.

السؤال التالي: لماذا أنتم هناك إذن؟ ما الغاية من وجود بوارج حربية تلعب دور البطة في مضيق يهدده الآخرون بالسلاح؟

بريطانيا كلها، لا تعرف الجواب. ليس لأنها أعجز من أن تتخذ لنفسها قرارا يحمي مصالحها، أو لأنها من دون رئيس وزراء، بل لأنها تنظر إلى إيران بعين العطف فتتعامل مع جرائمها وانتهاكاتها وتهديداتها بأسلوب مخملي، هو بحدّ ذاته فضيحة.

محادثات وزير الخارجية جيريمي هانت مع نظيره الإيراني جواد ظريف كانت بدورها وجها آخر للفضيحة، انتهى بالقول إن عملية الاختطاف تلك “غير مقبولة” و”غير قانونية”.

هانت كان يقرأ من الدفتر نفسه، حتى ولو قال من بعد ذلك إن ردّ بريطانيا سيكون قويا. يقصد: قويا في ضعفه. وهزيلا في خياراته.

هناك سبب لكل هذا. أصله المغازلات التي تسمح لإيران بأن تفهم معاني الرسائل التي تتلقاها كل يوم.

المعنى الأول منها، ذكره الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقول إنه لا يريد إسقاط النظام الإيراني، لكي يمنح ملالي طهران كل ما يحتاجونه من طمأنينة.

والمعنى الثاني، هو ما دأب الاتحاد الأوروبي على تأكيده للمسؤولين الإيرانيين، بترجي عدم التصعيد، وبالقول إن انتهاكاتهم للاتفاق النووي “بسيطة، وليست بالغة الأهمية”. وبالقول أيضا إن أحدا لا يريد حربا. وهو ما منح أولئك المسؤولين مقدارا أوفر من الطمأنينة بأنهم حتى وإن كانوا قد ارتكبوا انتهاكات ضد حركة الملاحة، فإن الأمر لن يصل إلى مستوى حرب.

والمعنى الثالث، لن نضربكم حتى ولو ثبتت التهم على جرائمكم السابقة. والمعنى الرابع، تعالوا لكي نتفاوض، أنتم من موقع السلاح، ونحن من موقع البطة.

وعندما “أوقف” ترامب ما زعم أنه “ردّ عسكري” على قيام إيران بإسقاط طائرة المراقبة الأميركية ذاتية القيادة، فقد أوصل لإيران رسالة أبلغ: نحن نمر من ورق، حتى عندما تطال أسلحتكم ممتلكاتنا.

إيران تستطيع أن ترى أن المغازلات التي تتوسّلها عدم التصعيد، لا تضعها في الموضع الذي يتطلب منها تقديم أي تنازلات. والسؤال التالي على ذلك هو: ما الذي يمنعها من التمادي إذن؟

وفي حين ظل جون بولتون، صقر البيت الأبيض، يجعجع ويبعبع ضد إيران لوقت طويل، فقد ابتلع لسانه بعد اختطاف الناقلة البريطانية. ولكنه، والحق يقال، أطلق تصريحا ناريا، أكد فيه أن الولايات المتحدة لن يهدأ لها بال، حتى يسقط نظام.. مادورو في فنزويلا.

وكانت تلك رسالة أخرى.

الأميركيون والأوروبيون والبريطانيون لا يريدون خوض حرب، لأنهم لا يعرفون نهاياتها. إيران تعرف البدايات كما تعرف النهايات. ولئن كان من الطبيعي أن تخشى النهايات، فإن البدايات هي ما يخيف النمر الذي من ورق.

عملية “الحارس” التي تعد لها القيادة المركزية الأميركية، لحماية خطوط الملاحة في الخليج، لن تعدو كونها مشروعا لنشر سرب من البط، يسعى قادته للحصول على أوسمة من الحرس الثوري الإيراني نفسه؛ أوسمة من النوع الذي لا توجد كلمات لقوله، لقادة عسكريين لا يطلقون النار.

وعندما يحين الوقت لإعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي، فإن أول الشروط التي ستضعها إيران، هو انسحاب البط كله. وهذه ورطة. إذ لا البط يطير ولا هو يقاتل.