إيران اليوم هي القائدة والحاضنة والممولة والملهمة والمشجعة لكل عصابات القرصنة والإرهاب الإسلامية الأخرى.
 

لم يصادف، من قبل، على الأقل من أول القرن الماضي وحتى اليوم، أن جعلت دولة من دول العالم الثالث من القرصنة سياسة رسمية، ووحيدة، تقيم بقوانينها ومقاييسها وغزواتها جميع علاقاتها مع حكومات الدول الأخرى، كبيرها قبل صغيرها، ومع شعوبها أيضا، كما هي حكومة إيران اليوم التي اختارت التخلي عن التزاماتها بكل أنواع القوانين والأعراف الدولية، علنا، وبالعمل والقول، معا، منذ سيطرة الخميني على السلطة في أواخر سبعينات القرن الماضي وحتى أمس، وإلى غد، وإلى ما لا نهاية.

نعم، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسيلتحق به آخرون من قادة العالم، قرر أن يتصدى لها بكل الوسائل المتاحة، وما زال مصمما على الاستمرار في التصدي، ولا يبدو أنه قد يتراجع في أمد مرئي قريب.

ولكن الحكام الإيرانيين المعممين الطارئين على السياسة قد وضعوه، هو ومَن معه، في مأزق لا سبيل إلى الخروج منه إلا بواحد من ثلاثة، إما سقوطه في الانتخابات المقبلة وعودة أحد تلاميذ باراك أوباما، وإما ببلوغ النظام الإيراني مرحلة العجز النهائي والرضوخ والاستسلام، وإما باشتعال حرب أكبر وأوسع وأخطر من جميع الحروب التي شهدتها المنطقة في العصر الأخير، بما فيها كوارث غزو العراق وأفغانستان، بكل بشاعاتها ونتائجها المريرة على المنطقة والعالم.

الحقائق الثابتة المرئية الملموسة والمسموعة تؤكد لكل ذي بصر وبصيرة أن ملالي طهران لا يستطيعون، ولا يفكرون في أي تراجع عن سياسة القرصنة ورعاية الإرهاب. وذلك لسبب بسيط، هو أنهم دونها لا يساوون قشرة بصلة. وبالتالي فإن أحلام ترامب بأن يستطيع دخان عقوباته، في النهاية، خنقهم وقطع أنفاسهم وإجبارهم على المجيء إلى طاولة المفاوضات وهم صاغرون لا تختلف كثيرا عن أحلام العصافير.

بالمقابل لا قدرة لترامب، ولا لمن معه من الأوروبيين والعرب والآسيويين، على قبول فكرة التراجع إلى الخلف لو خطوة واحدة. ففي ذلك نهاية له شخصيا، وللعصر الأميركي كله في الوقت نفسه، وترك لحلفائه العرب وحيدين في مواجهة الهجوم الثأري الإيراني المؤكد المرتقب، وإعلان رسمي ونهائي لولادة العصر الفارسي الطائفي الدكتاتوري، وقبول ضمني بإطلاق يد الولي الفقيه وأيدي مساعديه المدنيين والعسكريين ووكلائه العراقيين واللبنانيين والسوريين والفلسطينيين واليمنيين، في شؤون المنطقة والعالم.

طبعا إن هذا لا يمكن أن يكون، بأي حال من الأحوال، حتى لو اضطر ترامب، ومعه جميع حلفائه العرب والأوروبيين والآسيويين، إلى شن حرب يعرف القاصي والداني، حتى المبتدئ في علم السياسة وشؤون الحروب، أنها إما أن تكون كاسحة ماسحة، وفي آن واحد معا مع جيوش النظام وحرسه الثوري، في جميع أنحاء إيران، برا وبحرا، ومع ذيوله في العراق ولبنان وفلسطين واليمن وسوريا، بكل عواقبها وكوارثها على المنطقة والعالم، وإما لا تكون.

ملاحظة أخيرة؛ إن النظام الإيراني، على قاعدة (مجبر أخاك لا بطل)، منذ أولى عملياته الانتقامية الاستفزازية التي ابتدأت باستهداف وكلائه الحوثيين مطار أبها المدني السعودي، ثم بإطلاق النار على ناقلتي النفط النرويجية واليابانية في الخليج، وحتى إقدامه مؤخرا على اختطاف الناقلة البريطانية، قد اختار السير في طريق المكاسرة حتى نهايتها.

وهكذا أصبحت المعادلة واضحة. فإما حماية الشرعية الدولية والقانون الدولي، وضمان سلامة شعوب المنطقة وأمنها واستقرارها، والدفاع عن مصالح دول العالم، كافة، في المنطقة، وإما الفوضى والفلتان والنصب والابتزاز والقرصنة والإرهاب.

ومن اللازم الاعتراف هنا بأن إيران اليوم هي القائدة والحاضنة والممولة والملهمة والمشجعة لكل عصابات القرصنة والإرهاب الإسلامية الأخرى، شيعية وسنية، وبأن كسر ظهرها لا بد أن يكسر ظهور أتباعها الآخرين.

ملاحظة أخيرة؛ إذا كانت الحرب اللازمة لقطع رأس هذه الأفعى، اليوم، سوف تكلف أميركا وحليفاتها وجع ساعة فإن تأجيلها أو إلغاءها سوف يكلفانها ويكلفان المنطقة والعالم معها وجعا خانقا ومميتا كلَّ يوم وكل ساعة. تُرى، أما لصبر هذا العالم المتماهل المتخاذل حدود؟