أمام هذه المعطيات لا يسع المواطن، وهو ينظر ويستمع إلى من هم في موقع السلطة وما جاء على ألسنتهم لايجعل مكانا للشك بأن الحكومة التي حملت عنوان الى العمل مصابة بحالة انفصام .
 
تحدثت مصادر وزارية مواكبة للاتصالات الجارية من أجل تهيئة الأجواء السياسية لإعادة تفعيل العمل الحكومي بأن رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان لا يملك ما يكفي من القوة لربط عقد جلسات مجلس الوزراء بإحالة حادثة الجبل إلى المجلس العدلي.
 
وأكد بعض العارفين أن أرسلان يستعين بعضلات حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر. وهذا ما يدفعه إلى تقديم نفسه على أن لا شيء يمشي في البلد من دون مشيئته.
واعتبرت بعض المصادر أن المعركة التي تخاض ضد جنبلاط هي معركة إقليمية بأدوات محلية ويتزعّمها النظام السوري الذي يتصرف على أن الفرصة مواتية لتصفية حسابه مع جنبلاط على خلفية مناوأته له ودعمه للمعارضة السورية. 
واعتبرت أن المعركة التي يخوضها حزب الله ضد جنبلاط هي الوجه الآخر للمعركة التي كان خاضها عند تشكيل الحكومة الحالية لإشراك اللقاء التشاوري النيابي الذي يضم النواب السنة المعارضين لرئيس الحكومة سعد الحريري.
وقالت إن ولادة الحكومة تأخرت لأكثر من 8 أشهر ولم تر النور إلا بتمثيل اللقاء التشاوري بالوزير حسن مراد، وأكدت أن جنبلاط كان سهّل تشكيلها وبادر إلى تسليف رئيس الجمهورية ميشال عون سياسيا عندما وافق على توزير الوزير الغريب.
 
كما أشار البعض الى انّ الحريري هو جزء أساس في حركة الجهود التي تحصل لتهدئة الامور وتنفيس الاحتقان الذي حصل في الفترة الاخيرة إثر حادثة الجبل، والمهم هو التوصّل الى حل.
وحول ما يقال انّ جهود حلحلة تداعيات حادثة قبرشمون معطلة عند عقدة تسليم المطلوبين، ذكّروا بموقف رئيس الحكومة الذي شدّد فيه على انّ الصراخ السياسي لا يفيد ولا يوصِل الى نتيجة، والمطلوب هو ان يكون هناك تنازل من قبل الجميع.
 
 
هذا من جهة ومن جهة ثانية يمكن إختصار معّلقات عدد من النواب، الذين تباروا في إظهار فصاحتهم في مداخلات منقولة مباشرة على الهواء، ولو لم تكن كذلك لكان عدد طالبي الكلام قد تدنى إلى أكثر من النصف خلال ثلاثة أيام. 
ولم يترك هؤلاء النواب، موالين ومعارضين، سترًا مغطى إلا وكشفوه، ليس مستغربًا تجاوز عدد من النواب في كلماتهم كل الخطوط الحمر، في مباراة كلامية تباروا فيها على كشف عورات الموازنة، واستتباعاً ما يحصل من هدر وفساد والإطاحة بالقوانين، وبالأخص أن معظم المتكلمين نوابًا ينتمون إلى كتل تشارك في الحكومة، وآخرين كانت كتلهم ممثلة بحصة وازنة في حكومات سابقة، ولم تقدم شيئاً مما تحدث به نوابها في مداخلاتهم، التي أخرج بعضها رئيس الحكومة سعد الحريري عن هدوئه، وهو العارف أن حكومته ستكون عرضة لشتى أنواع التهشيم.
وعلى رغم هذه اللهجة العالية السقوف فإن ما قيل وما أثير في الجلسات الثمانية قد ينتهي مع صياح ديك اليوم التالي لإقرار الموازنة لتعود الأمور إلى رتابتها المقيتة، وكأننا أمام مشهد لمباريات عرض العضلات التي غالبًا ما تنتهي كالعادة إلى لا نتيجة، أو إلى تعادل سلبي في تسجيل النقاط في ما يشبه البازار، وكأن ثمة مزاحمة على من يسجل أكبر عدد من الاهداف في مرمى الحكومة، التي أهتزّت أكثر من مرّة أثناء مناقشة الموازنة.
 
وليزداد في الطنبور نغم اتى موقف حسين أمير عبد اللهيان بعد لقائه الرئيس نبيه بري واضحاً حيث دعا لبنان إلى عدم التأثر بأزمات المنطقة، على قاعدة أمن لبنان من أمن إيران. وهذه الجملة واضحة المعالم والمرامي. وبلا شك أن عبد اللهيان سيلتقي قيادة حزب الله والسيد نصر الله بالتحديد. وربما عدم رسمية الزيارة تعطيها أهمية أكبر من أي زيارة بروتوكولية. والبعض يعتبر عدم برمجة الزيارة مسبقاً، يحمل مؤشراً لافتاً بعد زيارة رؤساء الحكومة السابقين إلى المملكة العربية السعودية. وهذه إشارة لا بد من التوقف عندها. 
 
البعض الآخر يتوقع أن تنطوي الزيارة على دعوة إلى رص الصفوف، واستنفار العسكر، على قاعدة أن المعركة لا تزال مفتوحة مع واشنطن، طالما لم يتم الوصول إلى أي اتفاق، وعلى الرغم من وجود بعض الإيجابيات، فإيران لا تزال غير واثقة بالنتائج.
لا يمكن فصل الزيارة وفحواها عن توقف المساعي لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. فبعض المعلومات يشير إلى أن إيران تفضّل عدم الإستعجال في الترسيم، طالما أن إسرائيل مستعجلة. بمعنى أن إيران غير مستعدة لتسليف أي موقف، ولن تجلس إلى الطاولة في أي مكان قبل تحسين شروطها. ومسألة عدم الإستعجال لها هدف آخر طمأنة روسيا التي تبدو غير راضية عن المفاوضات التي ترعاها واشنطن. وهذا بلا شك تربطه إيران بمواقف إيجابية أخرى تنتظرها من موسكو في سوريا. 
 
وأمام هذه المعطيات لا يسع المواطن، وهو ينظر ويستمع إلى من هم في موقع السلطة وما جاء على ألسنتهم لايجعل مكانا للشك بأن الحكومة التي حملت عنوان الى العمل مصابة بحالة انفصام .