إستدعت زيارة رؤساء الحكومة السابقين الثلاثة للرياض أسئلة كثيرة، لاسيما أنّ المملكة العربية السعودية، طالما أعطت علاقتها بلبنان عناوين المحافظة على الدولة والطائف والاستقرار، وهذه العناوين من الخطأ أن تحملها قيادات من طائفة واحدة. فالطائف لم يكن ليوقّع لو لم يأخذ البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير موجة المعارضة العونية بصدره، كما أنه لم يكن ليوقّع لو لم يتوافر الشريك المسيحي متمثّلاً عام 1989 بـ»القوات اللبنانية» وبحزب الكتائب ممثلاً برئيسه النائب الراحل جورج سعادة، الذي كان واحداً من مجموعة نواب موارنة مستقلين ما زال منهم النائب السابق بطرس حرب، كأحد أركان هذا الاتفاق، وهؤلاء جميعاً كانوا حكماء الطائف المسيحيين.
 

يبدو اليوم أنّ الطائف يترنّح على يد أعدائه الأصيلين، فبعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً بَدا كأنّ برنامج عهده مهتمّ حصراً بالعودة الى الجمهورية الاولى عبر الممارسة، اذا لم يكن عبر الالتفاف على الصلاحيات. والعهد يقوم بذلك مدعوماً من «حزب الله»، وليس غريباً أن يحصل الاحتكاك حول صلاحيات رئاسة الحكومة، كما لم يكن مستغرباً استهداف النائب السابق وليد جنبلاط كونه أحد دعامات هذا الاتفاق.

كان الرؤساء الخمسة (رئيسا الجمهورية السابقان أمين الجميّل وميشال سليمان، والسنيورة وميقاتي وسلام) قد دشّنوا فكرة «نادي الحكماء» بنكهة الاوصياء، حين استبَقوا القمة العربية وأرسلوا رسالة بالغة التأثير، ونادرة الحدوث في الحياة السياسية اللبنانية، يطالبون فيها بالمحافظة على الدستور وتطبيق القرارات الدولية، فيما كان الرئيس ميشال عون في مرحلة التدشين في بعبدا.

تلك الرسالة التي أثارت استياء العهد وأركان التسوية، لم تتكرر في ظروف أشد خطورة، فلم يعد «الحكماء» الى الاجتماع واذا ما فعلوا امتنعوا عن إصدار أي موقف، وهو ما فسّر على نحو مغاير، فهل انكفأ جزء منهم عن متابعة الطريق لئلّا يصطدم بأحد أركان التسوية؟ وهل كان استكمال هذا العمل ضرورياً للداخل والخارج، أم أنّ كلفة الاستمرار كانت ستعني الجفاء داخل البيت الواحد، وتخطّي الخطوط الحمر، والخروج عن النمط الناعم للمعارضة؟


في المعلومات أنّ المملكة العربية السعودية من موقعها الداعم لأي موقف اعتراضي على الواقع السياسي الحالي، لم تكن لتمانع في أن تكون الزيارة الثلاثية الى الرياض خماسية، اي أن لا تكون زيارة لأقطاب من الطائفة السنية، بل لحكماء كانوا في موقع المسؤولية ومارسَ كلّ على طريقته، دوره في المحافظة على الدستور وفكرة البلد. لكنّ التحفّظ جاء من مكان آخر، لأنّ زيارة الأقطاب السنة، لن توضع الّا في خانة دعم موقع رئاسة الحكومة وتحصين الطائفة السنية، في حين أنّ الزيارة الخماسية، كانت ستوصل رسالة الى بعبدا أولاً، والى من يدعم العهد، بأنّ الدعم السعودي لهذا الاعتراض ينطلق من خلفية الحكم على هذه التسوية، التي وضعت لبنان في الحضن الايراني.

وتضيف المعلومات أنّ التنسيق بين الرئيس سعد الحريري ورؤساء الحكومة الثلاثة، قبل الزيارة وبعدها، يعطي فكرة واضحة عن الهوامش التي رسمها الزائرون لزيارتهم، كما تفسّر عدم شمولها وتوسّعها نحو الحكماء الآخرين، بعد أن تحفّظ عدد من الاطراف عن احتمال «تَحسّس» الرئيس عون من توسيع الوفد، وهو ما تمّ الركون إليه في النهاية.

وتؤكد المعلومات أنّ انطلاق أي بحث جدي في تشكيل «مجلس حكماء»، لا يمكن ان ينطلق إذا استمرت الحسابات السياسية تعمل على إيقاع عدم ازعاج التسوية والمشاركين فيها، فهذه الحسابات تعني أنّ القرار في مواجهة هذه التسوية ونتائجها لم يُتّخذ بعد على المستوى الداخلي، فيما صار مؤكداً انّ السعودية لن تتخذ القرار بالنيابة عن أي طرف لبناني. ويقول مسؤولوها انّ اللبنانيين مسؤولون وحدهم عن بلدهم، وانّ أي دعم لهم لا يمكن تقديمه رغماً عنهم.