إقرار الموازنة بصرف النظر عن عدد المصوتين لها (83 نائباً) كان امراً منتهياً، والحراك العسكري الذي شغل النواب، مع اخبار التدافع مع وحدات الحماية من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، الأمر الذي حمل الرئيس نبيه برّي إلى إبلاغ مَن يعنيه الأمر «ان أحداً لن يكون بمقدوره اقتحام المجلس الا بإرادة الله».
 
فبعد ثلاثة أيام بلياليها، أنجز المجلس إقرار الموازنة بإدخال تعديلات على حسومات معاشات التقاعد للعسكريين، واستثناء البنزين من ضريبة الـ3٪ على سلع كمالية تخضع لـT.V.A، تحت رقابة صناديق سيدر، والدول التي أبدت استعداداً لاقراض البلد، الذي ينوء تحت أكبر عبء للدين العام في العالم، يعادل حوالى 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
 
والأهم ان الرئيس سعد الحريري، الذي اعتبر أن إقرار الموازنة أمس، يسمح بسعي الحكومة للسيطرة على الدين العام، شعر بمحاولة لتطويقه عبر اجراء تخفيضات طاولت بشكل أساسي مؤسسات تعتبر «محسوبة» عليه، كأوجيرو، ومجلس الإنماء والاعمار والهيئة العليا للاغاثة.
 
 
الرئيس الحريري يدلي بتصريحه بعد إنتهاء التصويت على الموازنة
 
ولمس قريبون من رئاسة الحكومة استياءه من هذه المحاولة التي يشترك فيها تكتل لبنان القوي، وكتلة الجمهورية القوية وكتلة الوفاء للمقاومة.
 
وتخوف هؤلاء من ان يرتد ذلك سلباً على الوضع الحكومي، ما لم يُصرّ إلى استدراك الموقف، وتسهيل المساعي لعقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل.
 
تصريح حكومي
 
وإذا كانت الحكومة ومعها المجلس النيابي «احتفلتا» بانتهاء قطوع موازنة العام 2019، عبر اقرارها بأكثرية 83 نائباً من حوالى مائة نائب حضروا الجلسة الأخيرة، واعتراض 18 نائباً، بينهم نائب تكتل «لبنان القوي» الموالي هو ميشال الضاهر الذي امتنع عن التصويت، فإن هذا الاحتفال، لم يكن سوى «تغطية» للجروح التي لحقت بالحكومة نتيجة التصدع الذي أصاب صفوفها، و«تشنج» العلاقة بين الرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري، ما دفع الأخير إلى الخروج من الجلسة مرات عدّة، تعبيراً عن «حرده»، وبالتالي التلويح بالاستقالة، إذا ما استمر ما وصف باستهداف المؤسسات التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، إلا أن «الادارة الحكيمة» لرئيس المجلس (والعبارة لوزير الصناعة وائل أبو فاعور) ساهمت في تهدئة الأمور، بدلاً من ان تذهب في اتجاه آخر، خصوصاً بعد ظهور استياء واضح من كيفية ادارة مسار النقاشات في اتجاه ما وصفته وزيرة الداخلية ريّا الحسن، بأن هناك اناساً بزيت وآخرين بسمنة، عبر عنها الرئيس نجيب ميقاتي في عبارة: «طفح الكيل»، في حين أعلن نواب «اللقاء الديمقراطي» تضامنهم الكامل مع رئيس الحكومة لوقف ما اسموه الاستهداف السياسي لرئاسة الحكومة.
 
وارفق ميقاتي عبارته بإعلان انسحابه من الجلسة، مشيراً إلى ان استهداف «مؤسسات بالتخفيض دون سواها، كمجلس الإنماء والاعمار والهيئة العليا للاغاثة وأوجيرو»، دليل على استهداف موصوف. لافتاً إلى «أنه لا يجوز الاستمرار في معالجة الأمور على هذا النحو».
 
وكان التشنج ساد بداية الجلسة، أثناء التصويت على البنود المتعقلة بالمؤسسات التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، ومن ضمنها بند يتعلق بتخفيض 14 مليار ليرة من موازنة «أوجيرو»، وفق ما جاء في تعديلات لجنة المال والموازنة، فاعترض الرئيس الحريري على أساس انه لا يجوز التفريق بين موظف في مؤسّسة وموظف في مؤسّسة أخرى، لا سيما وان التخفيض طرأ أيضاً على موازنة مجلس الإنماء والاعمار بنسبة 175 مليار ليرة، وحين بدا ان الرئيس برّي غير مهتم باعتراض الحريري، غادر هذا الأخير الجلسة لكن رئيس المجلس الذي فهم بسرعة مضمون الرسالة، طلب رفع الجلسة لمدة عشر دقائق، حيث عقد في مكتبه اجتماعاً ضمه والحريري والنائب إبراهيم كنعان ونائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي، عاد بعدها الجميع لمتابعة وقائع المناقشات، وطرح بند أوجيرو على التصويت فأقر مبدأ تخفيض 14 ملياراً رغم اعتراض نواب «المستقبل» واللقاء الديمقراطي، فيما استرد مجلس الإنماء والاعمار مبلغ 100 مليار من أصل 175 ملياراً بعد ان خفضت ميزانيته.
 
وأكّد مصدر نيابي انه تمّ الأخذ بكل تعديلات لجنة المال، مشيراً إلى ان نسبة العجز النهائية التي خرجت بها الجلسة، لا يمكن الركون إليها الا بعد ان يدرس وزير المال كل الإيرادات والنفقات ويجري مقارنة بينها، وإعلان الرقم النهائي الاثنين المقبل، إلا أن المصدر شدّد على ان نسبة العجز بقيت تقريباً بحدود 7.59، وربما أقل أو أكثر بقليل، وهو ما أكّد عليه الوزير علي حسن خليل.
 
اما الرئيس الحريري، فقد تجاهل، بعد انتهاء الجلسة التشنج الذي حصل رغم وصفه له بأنه «شد حبال»، معتبراً ان ما قام به المجلس على صعيد إقرار الموازنة بمثابة «انجاز»، لكنه لفت إلى ان تطلعاته أكبر، وان ما حصل هو بداية الإصلاح، متعهداً باستكمال المسيرة في العامين 2020 و2021 لتعديل المسار الاصلاحي في البلد.
 
وشدّد على ان الإصلاحات يجب ان تحصل، ولو كان هذا الأمر سيكلفنا بعض الجهد وبعض المآسي.
 
وأكّد الحريري تفهمه لمطالب المتظاهرين الذين رفعوا الصوت، وقال: «اننا نحاول القيام بالمستحيل في وضع صعب جداً، وواجبنا كحكومة ان نعمل بوتيرة أسرع»، لافتاً إلى ان التأخر في اعداد الموازنة كان بسبب التأخر في تشكيل الحكومة، متعهداً بأن تقر موازنة 2020 خلال الفترة الدستورية، بوجود قطوعات الحساب.
 
وتطرق الحريري إلى مسألة التشكيك بعقد جلسة للحكومة، مشدداً على انه ما يزال يعول على ان العقل سيطغى على المشاكل في آخر المطاف، متوقعاً «الوصول إلى حل لمشكلة الجبل بحكمة الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط والمير طلال أرسلان مع حزب الله»، داعياً إلى الانطلاق بشكل إيجابي.
 
ضغط الشارع
 
وقبل ان يفرغ المجلس من إقرار الموازنة، كان العسكريون المتقاعدون يمارسون نوعاً من الضغط على المشرعين، عبر الاستمرار في التظاهر في الشارع وقطع طرقات وسط العاصمة، ملوحين بالتصعيد وانه إذا تمّ إقرار المواد التي تطالهم في الموازنة، فإن ذلك يعني الحرب المفتوحة عليهم، لكن المجلس أقرّ بالنهاية صيغة حل وسط، هي تقريباً نفس الصيغة التي توصلت إليها تعديلات لجنة المال، بحيث ابقيت ضريبة الدخل على أساس الراتب، من دون ان تمس تعويضات المعاشات التقاعدية، وتخفيض نسبة الرسم على الطبابة إلى 1.5 فى المائة بدلاً من 3 في المائة.
 
وبطبيعة الحال، لم يرض هذا الحل العسكريين المتقاعدين الذين اتهموا الحكومة بأنها أجرت صفقة تسوية مع العمداء الضباط على حساب الأفراد، في إشارة إلى الاجتماع الذي ضم وزير الدفاع الياس بو صعب مع العميدين المتقاعدين جورج نادر وعبد القادر مكي، قبل إقرار الصيغة.
 
وتعهد العسكريون بالاستمرار في تصعيد تحركهم، متوعدين باللجوء إلى المجلس الدستوري للطعن بالموازنة.
 
يُشار إلى ان عمليات كر وفر سجلت طيلة النهار بين العسكريين والقوى الأمنية، في محاولات عدّة للتقدم باتجاه ساحة النجمة وإزالة الاسلاك الشائكة، وسجلت صدامات عدّة، قبل ان تتدخل قيادة الجيش التي أصدرت بياناً طلبت فيه المتظاهرين التزام الهدوء، وأكدت التزامها فرض الأمن والحفاظ على السلامة العامة.
 
وكان لافتاً خلال النقاش الدائر في المجلس، إشارة النائب بولا يعقوبيان ان هناك في الخارج من يطالب بحقوقه ومحاولة اقتحام المجلس، فرد برّي قائلاً: «لا أحد يقتحم المجلس إلا إرادة الله، ولم يخلق بعد من سيقتحم المجلس».
 
اضاف: «البلد يجب ان يقف عند حدّ لأننا كنا ذاهبين إلى الافلاس»، وقال انه تواصل مع قيادة الجيش التي أكدت ان الأمور مضبوطة، وانها ستتخذ الإجراءات اللازمة.
 
قبرشمون
 
الى ذلك، توقفت مصادر سياسية مطلعة عبر «اللواء» عند الكلام الذي اطلقه الرئيس ميشال عون امام وفد كهنة الشوف في ما خص التحقيق العادل في حادثة قبر شمون قبل المصالحة لافتة الى انه حدد الخطوات الأساسية، وقالت ان اشارته الى محاكمة عادلة تبعث بالطمأنينة انما لا بد من اقترانها بقرار الطرفين المعنيين بتسليم الشهود والمشتبه بهم. 
 
واوضحت ان الرئيس عون حريص على معالجة الموضوع وقيام المصالحة بعد اتمام الأجراءات المتصلة بالمحاكمة.
 
وكان الرئيس عون اكد امام الوفد ان العيش المشترك في الجبل مصان بإرادة ابناء الجبل اولا وبرعاية الدولة ومؤسساتها ثانيا، لافتا الى ان ما حصل مؤخرا في منطقة قبرشمون لا تُمحى آثاره الا من خلال محاكمة عادلة سليمة تمهد الطريق امام المصالحة، اذ لا تسويات على مثل هذه الجرائم.
 
وقال: ان ما من احد يرضى بتكرار ما حصل، ولن يكون احد فوق القانون والاجراءات القضائية العادلة. ولفت الى ان تفعيل حضور الدولة في الجبل وغيره من المناطق لا يكون فقط بالامن، بل ايضا بالانماء وتعزيز قطاعات الانتاج لتوفير فرص عمل جديدة كي لا تنحصر في العاصمة والضواحي والمدن الساحلية، بل في المناطق كافة، وابلغ الوفد ايضاً انه سيمضي قسما من الصيف في المقر الرئاسي الصيفي في قصر بيت الدين، كما جرت العادة، وستكون مناسبة للقاء ابناء المنطقة والاطلاع على حاجاتهم.
 
وافيد من المصادر المطلعة ان هناك رغبة في مواصلة اقناع الأطراف في حادثة قبر شمون على عدم الابقاء على خيار المجلس العدلي والإصرار عليه بالتالي انما انتظار التحقيقات والوجهة الأساسية التي تسلكها القضية.
 
مبادرة إبراهيم
 
في غضون ذلك، لا زالت مساعي المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم قائمة لمعالجة ذيول حادثة قبر شمون- البساتين، برغم انها عالقة عند تصلب فريقي الحادثة، وإن كان اللواء ابراهيم لا يزال ينتظر اجوبة الفريقين على بعض النقاط التي طرحها، وهو اكتفى بالقول لـ«اللواء»: ان مبادرته كلّ متكامل ولا تتعلق ببند واحد اونقطة واحدة، ولكن كل فكرة تحتاج الى بلورة ونحن ننتظر اجوبة واضحة من الاطراف المعنية، وهذا ما نعمل عليه.
 
يُذكر ان مبادرة اللواء ابراهيم تقوم في أبرز بنودها على اناطة التحقيق الامني  والقضائي بالجريمة بالمحكمة العسكرية، الى جانب تسليم جميع المشتبه بهم والشهود وتبرئة من لا تثبت علاقته فورا،ومن ثم البحث في احالة الجريمة الى المجلس العدلي او القضاء العادي او تبقى ضمن القضاء العسكري بناء لمعطيات التحقيق، لكن مصادر الحزب الديموقراطي تؤكد تمسك الحزب بالإحالة الى المجلس العدلي لأنه يعتبر «ان ما حصل جريمة موصوفة لمحاولة اغتيال وزير او وزيرين في الحكومة وعدد من النواب كان يفترض ان يكونوا ضمن موكبه».واشارت مصادره مجدداً  الى ان «لا مطلوبين لديه بل شهود، بينم الطرف الاخر سلّم اشخاصاً لا علاقة لهم بالحادث، والمطلوب تسليم المتورطين فعلياً».
 
واشارت مصادرمتابعة للموضوع، الى ان انشغال الاطراف السياسية بالمناقشات الاخيرة لمشروع الموازنة في المجلس النيابي، لا سيماحول البنود الساخنة موضع الخلاف، حال دون تسريع العمل على مسار المبادرة.
 
وعلى هذا بقي انعقاد جلسة لمجلس الوزراء الاسبوع المقبل، رهن بنجاح فصل الجلسة عن مسار قضية قبر شمون، وكان الجو ايجابيا في هذا الخصوص قبل يومين ويميل الى عقدها للبحث في جدول اعمال عادي، لكن يبدو ان تمسك فريق سياسي بطرح القضية في الجلسة مقابل فريق يرفض الاحالة للمجلس العدلي، لا زال يحول دون التوافق على عقدها ما لم يتم استبعاد الموضوع عن جدول الاعمال او من خارجه.