الملفت في هذا السياق هو حرص القيادات الفلسطينية الرسمية على لبنان والنظم اللبنانية اكثر بكثير من بعض اللبنانيين.
 
بعث  الرئيس اللبناني آنذاك شارل حلو  وفدا لبنانيا برئاسة قائد الجيش إميل بستاني (الطامح بالوصول للرئاسة)  إلى القاهرة للتحادث والتفاوض مع ياسر عرفات وتحت إشراف وزير الدفاع المصري محمد فوزي، ووزير الخارجية المصري محمود رياض،
عاد هذا الوفد يومها باتفاق مشؤوم بعد التوقيع عليه عام 1969 سمي باتفاق القاهرة، ويهدف بالظاهر الى تنظيم العمل العسكري الفلسطيني ضد العدو الاسرائيلي انطلاقا من جنوب لبنان وتحديدا من منطقة العرقوب التي سميت يومها ب (فتح لند)، ويتضمن بنودا أخرى لا تقل إذلالا على الطرف اللبناني وتخلّ عن سيادة الدولة والقانون ليس أقله عدم دخول المخافر اللبنانية والقوى المسلحة الشرعية إلى المخيمات الفلسطينية، ما أطلق عليه يومها  عبارة "تنظيم العمل الفلسطيني المسلح في لبنان" لم يكن أكثر من تآمر الدول العربية على لبنان أولا وعلى الفلسطينيين والقضية الفلسطينية ثانيا، وإن كل الهدف من هذا الاتفاق كان إبعاد الانظمة العربية نفسها عن تجرع كأس عبء الوجود الفلسطيني ورميه كاملا على كاهل لبنان حصرا، فصمتت من يومها كل جبهات "دول الطوق" من مصر العروبة إلى قلعة الممانعة في سوريا وصولا إلى المملكة الهاشمية العربية في الاردن فيما، اشتعلت فقط جبهة جنوب لبنان.
 
كنت حتى الأمس لا أظن أن لبنانيا واحدا، لا يعتقد أن اتفاق القاهرة هذا هو علة العلل فيما وصلنا إليه، من تفسخ في أجهزة الدولة واستقواء السلاح الفلسطيني وهيمنته على القرار الرسمي اللبناني، حتى وصلنا إلى الحرب الأهلية وبعده إلى الإجتياح الاسرائيلي واحتلال بيروت وما نحن فيه من معاناة ومآسي على كل المستويات.
 
 
سمعنا كثيرا عن إعادة قراءة تلك المرحلة السوداء، وشنفت أذاننا مطالعات ومطولات عن ما سمي بالنقد الذاتي من كبار القوم أمثال الشهيد جورج حاوي، ومحسن ابراهيم ووليد جنبلاط  واعترافات قيادات تلك المرحلة التي كانت تعتبر "اتفاق القاهرة" بمثابة إنجاز تاريخي في مسار الصراع العربي الاسرائيلي وخطوة أولى على طريق تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى البحر ... وسمعنا كثيرا أيضا عن اعترافات وإقرارات من هؤلاء وغيرهم عن خطأ تاريخي إسمه الدفاع عن السلاح الفلسطيني واستعماله في الداخل اللبناني ضد شركاء الوطن، وأن النتيجة الوحيدة كانت أن خسرنا الوطن ولم نحرر فلسطين.
 
مناسبة هذا الحديث، واسترجاع هذه المحطة المؤلمة من تاريخ لبنان، هو قرار وزير العمل كميل أبو سليمان بتطبيق القانون اللبناني وتنظيم العمالة الأجنبية على أراضيه، ومنهم اليد العاملة الفلسطينية، 
فكان الملفت والمفاجئ والصادم هو ردة الفعل الرافضة من فلول ما يسمى باليسار اللبناني وما تبقى ممن دافعوا في غابر الزمان عن اتفاق القاهرة، وعدنا لنسمع أصوات من ناشط هنا أو مفتٍ هناك كنا سنسمعها هي نفسها لو قدر لنا أن نعيش في عهد شارل حلو وإميل البستاني !!! وكأنهم لم يتعلموا من التاريخ شيئا، فكم اجتياح يحتاج هؤلاء وكم حرب أهلية يحتاجون ليتعلموا وهل نحن أمام "إجازة عمل" لند ؟؟؟؟
 
 إلا أن الملفت في هذا السياق هو حرص القيادات الفلسطينية الرسمية على لبنان والنظم اللبنانية اكثر بكثير من بعض اللبنانيين !