مواجهة المدّ الإيراني في لبنان والمنطقة تستلزم سياسة سعودية خليجية عربية أكثر حيوية في مجالات الدعم المباشر الأمني والاقتصادي والعسكري.
 
 
شكلت زيارة ثلاثة رؤساء حكومات سابقين في لبنان إلى السعودية ولقاؤهم بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مادة مغرية في حديث الصالونات السياسية ومادة مغرية للتحليل وبناء المواقف وراح العديد من الكتاب والمحللين يتحدثون عن عودة الاهتمام السعودي بلبنان ومواجهة التيار الموالي لإيران، الذي يتزعمه حزب الله. 
 
فهل يمكن فهم التوتر السائد في لبنان والتأزم على كل الأصعدة من دون ربطهما بما يسود المنطقة برمتها، وبحسابات فرقاء محليين ربطوا مصيرهم ودورهم في البلد الصغير بما يجري في الإقليم؟
في هذا السياق اعتبرت مصادر لبنانية إن استقبال العاهل السعودي، للرؤساء الثلاثة ، يكشف عن أن السعودية تتجه إلى تقديم دعم جديد لحلفائها في لبنان بعد تغوّل النفوذ الإيراني.
واعتبرت أن بعض الاطراف في لبنان ينتظرون من السعودية ما هو أكثر من الدعم السياسي، لافتة إلى أن لبنان بات الآن في حاجة إلى دعم عربي أوسع لإعادة التوازن إلى المشهد السياسي داخله بعد أن بات حزب الله يسيطر على البلد ويكيف مواقفه السياسية وعلاقاته الخارجية وفق هوى إيران. كما أنه نجح في استمالة وجوه كبيرة إلى صفه ودعمها لتكون في الواجهة.
 
يشكل لبنان اليوم أحد ميادين استعراض القوة والاحتياط لتحصين مواقع حلفاء إيران سواء كان ذلك تمهيدا للمواجهة المحتملة، أو كان في سياق تحسين المواقع من أجل التفاوض. وهذا يحتاج لحماية وصيانة الموالين في بغداد. وفي لبنان يحتاج الحليف الإيراني إلى تمتين دور من التحقوا به، وإلى إبقاء خصومه في حال دفاع عن النفس وفي حال تأزم أيضا.
 
 
وأكد رؤساء الحكومات الثلاثة في بيان مشترك عقب لقائهم العاهل السعودي في جدة حرص السعودية على لبنان واستقلاله وسيادته. وأشار البيان إلى أن الملك سلمان أكد على أهمية إعادة الاعتبار والاحترام للدولة اللبنانية وتمكينها من بسط سلطتها الكاملة.
وأضاف البيان أن العاهل السعودي أكد على ضرورة الحفاظ على اتفاق الطائف لكونه الاتفاق الذي أنهى الحرب الداخلية في لبنان.
 
وترى أوساط سياسية لبنانية في توجه رؤساء الحكومة اللبنانية إلى تلبية الدعوة السعودية رمزية سياسية من المهم التوقف عندها، مشيرة إلى أن الوفد يمثل موقع رئاسة الحكومة اللبنانية، ولطالما وقف الرؤساء السابقون صفا واحدا لدعم رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري لردّ الاعتداءات السياسية والدستورية التي تعرّض لها موقع السنّة السياسي الأول في البلاد.
وأشارت إلى أن تقصّد الرياض توجيه دعوة إلى هذه الشخصيات، يمثل دعما جديدا للموقع ، بما يعتبر إشارة سعودية متقدمة في مواجهة التيار المتحالف مع إيران في لبنان والذي يسعى إلى النيل من صلاحيات رئيس الحكومة.
 
ويرفض بعض المحللين النظر إلى زيارة رؤساء الحكومة السابقين من زاوية طائفية مرتبطة بالسعودية، لأن الرياض من خلال موفديها وسفيرها في بيروت، نجحت في نسج علاقات متجذّرة مع تيارات وشخصيات لبنانية غير سنّية وغير مسلمة، وباتت محجّا للعديد من الشخصيات اللبنانية التي تتردد على السعودية باعتبارها داعما لخيارات لبنانية تدافع عن منطق الدولة وعن علاقات البلد السليمة مع العرب في مواجهة منطق الدويلة الملتصقة بخيارات نظام الولي الفقيه في طهران.
بيد أن مصادر سياسية لبنانية مسؤولة قالت إنه على الرغم من أهمية هذه الزيارة وما صدر عنها من تصريحات متفائلة، إلا أن لبنان بات يحتاج إلى أكثر من دعم سياسي موضعي، وأن مواجهة المدّ الإيراني في لبنان والمنطقة تستلزم سياسة سعودية خليجية عربية أكثر حيوية في مجالات الدعم المباشر الأمني والاقتصادي والعسكري، وحضورا أكثر اتساعا وتماسكا داخل لبنان يعيد العرب بشكل وازن إلى الداخل اللبناني على نحو يتواكب مع التحولات المقبلة والتي تعمل على محاصرة وشل النفوذ الإيراني في دول المنطقة بما في ذلك في لبنان.
 
في المنطقة على ما يبدو هناك مؤشرات، تقلق العقل الإيراني وهو التوافق الأميركي الروسي على إخراج إيران من سورية بالتدريج. ومن الطبيعي أن يطلق ذلك صراعا مريرا يشكل حزب الله الذراع الرئيسة فيه.
هذا كاف لفهم توتر إيران وحزب الله في لبنان، ولإدراك أسباب الإلحاح على أن تكون له اليد الطولى في قرار السلطة السياسية. وهذا ما قصده أمينه العام السيد حسن نصرالله من إملائه للموقف من معالجات حادثة قبرشمون في الجبل، طالما أن وليد جنبلاط يخالفه توجهاته في إلحاق لبنان بخطة المواجهة الإيرانية، وما دام سعد الحريري يتضامن معه.
 
هناك من يشبّه الوضع في لبنان هذه الأيام بتلك التي سادت عام 2000 ، حين تنامى الاعتراض اللبناني على وضع اليد السورية على لبنان بفعل التهيؤ الأميركي لاجتياح العراق، لأن الضغط على المعادلة اللبنانية كان يفوق قدرة اللبنانيين على الاحتمال. وهناك من يشبه ما يجري بمرحلة عام 2004، عندما قرربشار الأسد أن يفرض على اللبنانيين، بمن فيهم جنبلاط معادلة إما معنا أو ضدنا، بسبب ضغوط واشنطن على دمشق في مرحلة ما بعد احتلال العراق، فحصل ما حصل من بعدها. وفي كل الاحوال هذا ما سوف يؤكد ان صحت التوقعات ان يعود لبنان مجدداً ساحة لاستعراض القوة وصندوق بريد بين الاطراف المتصارعة .