نهَـبوا الخزينةَ واستباحوا مالَها والشعبُ ينْـزِفُ والرُعاةُ لصوصُ
 

... وتتسلَّط العيونُ الفارغة على الموازنة الفارغة المتنقّلة من مجلس الوزراء الى مجلس النواب: من هالكٍ الى مالك، الى «قبّـاض» المال، الى «قبّـاض» الأرواح، والناس تحتضـرُ وقوفاً كما الشجر... «تـموتُ وهي على أقدامِها الشجرُ»...

ما يقارب العشرين جلسةً في مجلس الوزراء إستهلكتها الموازنة من الدرس والنَـزْف، شبيهةً بقصيدة «غلـواء» للشاعر الياس أبي شبكة التي شربتْ الـدم من العشرين قلباً ولم تشبع.

وجلساتٌ معمَّقاتٌ للجنة المال البرلمانية إمعاناً في التدقيق والتحقيق كمن يفتّش عَبثـاً عن مكتشف الملح والنار.

ومعلقاتٌ من بعدُ مطوّلات في المجلس النيابي: بين فرقـةٍ من المدّاحين، وفرقـةٍ من الهجّائين، وفرقـةٍ من الندّابين... كلّهم انتقدوا الحكومة وكلّهم ممثلون فيها، الحكومة عندنا حكومات، بعضُها يتهّـم بعضَها، والسجالات البرلمانية بهلوانيات، ومبارزات حول المسؤولية والشفافية والعفّة، والبخور يُحرقُ تبريكاً لطهارة الذات كَمَـنْ يصلّي أمام الوثَـن. 

والآتي الأعظم المنتظر هو ذلك الإنقضاض على فريسة التعيينات الإدارية بكل ما تستنـفرِهُ الجوارح من أظافر وأنياب، فحيث تكون الجثَّـة تتزاحم الطيور الكاسرة.

وعندما يتّـمُ الإنقطاع عن قطْـع الحساب لأن قطع الحساب من قطـع الرقاب، وعندما يتـمّ تهريب الموازنات، وتهريب التعيينات، وتهريب الواردات على عينكَ يا تاجرَ الحكومات، يكون كلُّ الحكوميين متورطين وكلُّ المسؤولين متَّهمين. 

وعندما لم تبـقَ مؤسسة من مؤسسات الدولة إلاّ ملطّخة بالفساد يكون كل المسؤولين عنها فاسدين.

وعندما يتجنَّد اللصوص حراساً على بيوت الذهب وتسقط الدولة ضحية إفلاس المال وإفلاس الرجال، فإما أن يكون اللصوص أقوى من المسؤولين وإما أن يكون المسؤولون هـمُ اللصوص.

وعندما يُجمعون على القول: إن الدولة منهوبة، ويكتّمون كشف النهّـابين، ويبرِّئـون المختلسين يكون الغافل شريك الفاعل ويكون الكل شركاء في الجـرم، فإنِ ادّعيتَ عليهم جميعاً فلا يجرؤ أحـدٌ أن يُقيم عليك دعوى تحصيل الشرف.

في معزلٍ عن هذه الوقائع القاطعة لا معنىً لكلِّ أناشيد التسبيح التي تُـتْلى حول الموازنة في هيكل الشهوات، مع ما يتحلّى به المنشدون من براعة في شيطنة التقوى.

شاهدٌ واحدٌ يكشف عن أخطر جرم وطني، هو رئيس «مركز الدولية للمعلومات»، حين يعلن «أن 601 ألف لبناني غادروا لبنان ولم يعودوا منذ 1992، وأن 34500 مواطن غادروه ولم يعودوا سنة 2018».

ولبنان، هذا الذي قيل إنـه بَنْـكٌ للأدمغة، هجَّروا منـهُ هذه الثروة الأغلى وأوْقعوه بالإفلاس العقلي ولـم تبـقَ فرصةُ إنقاذٍ لـه وخلاص إلا أن يغادروه هـمْ برائحةٍ طيبة من أجـلِ البقية الباقية من الأدمغة في لبنان.