مخاوف إسرائيلية بشأن مساعي إيران لتكريس موطئ قدم لها في الجولان المحتل لخلق جبهة جديدة متقدمة ضدها ولا تبدو تل أبيب واثقة من قدرة موسكو على ردعها.
 
تواجه القوات الحكومية والروسية حرب عصابات في الجنوب السوري من قبل عناصر مجهولة، وسط تساؤلات عن الجهة التي يمكن أن تقف خلفها هل هي إسرائيل أم إيران؟ خاصة وأن الأخيرة تواجه حملة روسية لإبعادها عن المنطقة في إطار تكريس التفاهمات مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي.
 
وقتل ستة عناصر من الجيش السوري، الأربعاء، في تفجير عبوة ناسفة استهدفت حافلة كانت تقلهم في محافظة درعا في جنوب سوريا. ويأتي الهجوم بعد أيام قليلة من استهداف دورية للشرطة العسكرية الروسية، شرقي المحافظة.
 
وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) في خبر عاجل “إرهابيون يستهدفون سيارة عسكرية على طريق اليادودة” شمال غرب مدينة درعا، متحدثة عن “معلومات أولية تشير إلى شهداء وجرحى”.
 
وأكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن أن “عبوة ناسفة استهدفت حافلة كانت تقل عناصر من الفرقة الرابعة، ما أسفر عن سقوط 6 قتلى منهم وإصابة 15 آخرين بجروح”.
 
ولم يتمكن المرصد من تحديد الجهة المسؤولة، لكنه أشار إلى أن “قوات النظام تتعرض بشكل شبه يومي لهجمات إن كانت بالعبوات الناسفة أو بإطلاق النار في محافظة درعا، لكنها لا تسفر عادة عن سقوط ضحايا”.
 
كما تعرض العديد ممن شاركوا في مفاوضات التسوية والمصالحة مع القوات الحكومية لعمليات اغتيال تكررت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، بالتزامن مع ظهور كتابات على جدران في أرياف درعا الغربي تقول “لمن باع ضميره وكرامته ودينه، نحن نراكم والقادم أدهى وأمر.. ثورة حتى النصر”.
 
وأوضح عبدالرحمن أن “مقاتلين معارضين سابقين يطلقون على أنفسهم اسم ‘المقاومة الشعبية’ يشنون عادة تلك الهجمات”. واستعاد الجيش السوري صيف العام 2018 السيطرة على كامل محافظة درعا إثر عملية عسكرية ثم اتفاقات تسوية مع الفصائل المعارضة فيها، وعملية إجلاء للآلاف من رافضي التسويات، كانت رعتها روسيا مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة.

ولم ينتشر عناصر الجيش السوري في كل المناطق التي شملتها اتفاقات تسوية، إلا أن المؤسسات الحكومية عادت إلى العمل فيها. ومنذ ذلك الحين، تشهد منطقة درعا حالة من الفوضى الأمنية تخللتها اعتقالات طالت المئات من المواطنين، بينهم من وافقوا على اتفاقات التسوية مع القوات الحكومية التي ساقت أيضا الكثيرين إلى التجنيد الإجباري.

وأثار ذلك حالة من الغضب لدى السكان، وخصوصا الفصائل التي كانت وافقت على التسويات. وشهدت المحافظة قبل أشهر تظاهرات محدودة ضد ممارسات القوات الحكومية، كما احتج سكان في مارس الماضي على رفع تمثال للرئيس السوري السابق حافظ الأسد في مدينة درعا، في المكان نفسه الذي كان فيه تمثال آخر له أزاله متظاهرون في العام 2011، تزامنا مع انطلاق حركة احتجاجات سلمية آنذاك ضد النظام السوري.

وكان شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” انطلق منتصف مارس 2011، من درعا التي اعتبرت مهد الانتفاضة الشعبية التي تحولت لاحقا إلى نزاع دام. ويرى مراقبون أن هناك حالة من التخبط والارتباك في صفوف القوات الحكومية نتيجة العمليات المتواترة التي تتعرض لها في الأشهر الأخيرة، وقد صعدت تلك القوات من اعتقالاتها بشكل لافت مركزة على عناصر من الفرقة الخامسة التي شكلتها روسيا وتضم فصائل مسلحة كانت في السابق تقاتل النظام، فضلا عن عناصر كانت تشرف على المصالحات.

ويرى مراقبون أن فرضيتين هما الأكثر ترجيحا حول الجهة التي تقف خلف تلك العمليات: الفرضية الأولى تقول إن إسرائيل هي التي تضغط لتمكين الفرقة الخامسة من فرض سيطرتها على طول الحدود مع الجولان المحتل، وإبعاد القوات الحكومية الممثلة في الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد والجماعات الموالية لإيران.

ويعتبر متبنو هذه الفرضية أن إسرائيل من خلال هذه العمليات تريد القول إنها لا تزال قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في حال لم تتم الاستجابة لمطالبها، وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد تحدثت قبل فترة عن لقاء ضم مسؤولين إسرائيليين وروسا وأمنيين سوريين فضلا عن قادة الفرقة الخامسة بشأن توسيع نطاق سيطرة الأخيرة بيد أن رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء جميل الحسن الذي كان حاضرا في ذلك الاجتماع رفض الأمر بالمطلق، الأمر الذي استدعى تدخل الروس وإقالته.

وهناك مخاوف إسرائيلية بشأن مساعي إيران لتكريس موطئ قدم لها في الجولان المحتل لخلق جبهة جديدة متقدمة ضدها، ولا تبدو تل أبيب واثقة كثيرا من قدرة موسكو فعليا على ردعها.

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية الاثنين، عن تقدم إسرائيل بطلب إلى روسيا بالعمل أكثر على إبعاد حزب الله اللبناني عن الجولان السوري المحتل. وأفادت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، بأن تل أبيب طلبت من موسكو تطبيق خطوات اتخذتها سابقا، لمنع تموضع القوات الإيرانية في المنطقة.

وأضافت أن معلومات استخبارية كشفت، قبل 4 أشهر، عن تموضع قوات للحزب في الجزء السوري من الهضبة، بهدف “إقامة بنية إرهابية”. ويقول محللون إن إسرائيل قد تكون خلف ما يشهده الجنوب من عمليات بيد أنه لا يمكن تلافي فرضية تورط إيران لأن ما يحصل في الواقع يصب في صالحها أكثر من غيرها. ويوضح المحللون أن خلق حالة من الفوضى في الجنوب يخدم بالدرجة الأولى طهران التي تحاول جاهدة فرض حضورها في تلك الجبهة القريبة من إسرائيل في سياق عملية لي الذراع بينها والولايات المتحدة.

وتشهد العلاقة بين إيران والولايات المتحدة تصعيدا خطيرا منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي وما استتبعه من فرض عقوبات مشددة على الاقتصاد الإيراني، وهو ما ردت عليه طهران بالانسحاب المتدرج من التزاماتها بشأن ذلك الاتفاق وسط مخاوف من أن يقود هذا التصعيد إلى مواجهة مباشرة بينهما.

وتدرك إيران أن الولايات المتحدة تعتبر أمن إسرائيل أولوية مطلقة، وبالتالي هي تلعب على هذا الوتر وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله قد قال في معرض حديث صحافي مع قناة المنار التابعة للحزب الأسبوع الماضي إن إسرائيل لن تكون بمنآى عن الصراع الأميركي الإيراني في حال اندلع، وإنه ستتم إعادتها “إلى العصر الحجري”.

ويقول المحللون إن إيران تعلم أن أصابع الاتهام في ما يحدث في الجنوب ستوجه مباشرة إلى الفرقة الخامسة التي شكلتها موسكو، حيث هناك منافسة بينهما على فرض السيطرة على الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية، وبالتالي فإن بهزها للوضع في الجنوب هي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحدة.

وللإشارة فإن إيران كانت استبعدت من التسوية التي رعتها روسيا مع الولايات المتحدة في المنطقة، في العام 2017 والتي كان من شروطها الأساسية إبعاد القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها.

وبين هاتين الفرضيتين حول الجهة التي تحرك تلك العمليات في الجنوب تبرز فرضية لا تقل وجاهة وهي أن تكون مجموعات سورية رافضة للتسوية أعادت تجميع شتاتها وغيرت من أسلوب مواجهتها عبر الاعتماد على حرب العصابات باعتبارها الأكثر إيلاما للقوات الحكومية وحلفائها، مع تقليل أكبر عدد ممكن من الخسائر بصفوفها.