الوقت قد حان لكي ينظر الجزائريون الذين يملأون الشوارع في التواطؤات الأخيرة التي يرتكبها ورثة الفساد، أن ينظروا في عقلية التآمر التي تقف خلفها.
 

حزب وقف وراء المأساة التي قادت الجزائر إلى المأزق الراهن، وافتقر إلى الشجاعة ليقدم مرشحا لانتخابات الرئاسة، تواطأ أخيرا من أجل أن يمنح منصب رئيس المجلس الشعبي الوطني، إلى واحد من قادة الجماعات الإسلامية في الجزائر. وكلاهما يؤمن بنظرية واحدة للسلطة تقول: إما نحن أو الخراب، وأن الديمقراطية سلم نرتقيه لكي نركله.

هل هذا آخر التواطؤ أم أوّله؟ هل يستغل قادة جبهة التحرير نفوذهم الباقي لكي يمهدوا الطريق أمام انتخاب رئيس ينتمي، هو الآخر، إلى واحدة من الجماعات الإسلامية؟ هل يريدون أن ترى الجزائر الموت من جديد لكي يرضى الجزائريون بالمرض الذي عاشوا فيه لستة عقود؟ هل يريدون لها أن تتمزق كما تمزق السودان؟ هل يريدون لرئاسة الجزائر محمد مرسي آخر، يتخابر في إدارة سلطته مع قطر؟ وما هو نوع الصفقة التي تنفذها جبهة التحرير مع تلك الجماعات التي أغرقت الجزائر بالدم لعشر سنوات؟ ما هو معناها أصلا؟ وهل عقمت الجزائر لكي لا تجد من بين أبنائها من يمكنه أن يحكمها إلا بعض من تلوثت أياديهم بالدماء، أو تلوثت عقولهم بالتطرف؟

هل يليق أصلا، بجبهة ارتبط اسمها بتحرير الجزائر من الاستعمار، أن تبيع الجزائر لواحد من تنظيمات الإخوان، هم الذين باعوا أنفسهم لكل شيطان رجيم؟ ألا يرى أصحاب تلك الصفقة القذرة، أنهم يبيعون الجزائر لمشروع يستهدف تمزيق الكيانات العربية وتفجيرها من الداخل، برعاية وتمويل قطريين؟

صحيح أن أخلاقيات الفساد قد طغت على كل شيء، ولكن ألا يخافون العاقبة؟ أفلا يحترمون دماء الشهداء وتضحيات الملايين ممن أرادوا للجزائر أن تكون لأهلها، لا لمستعمرين ولا لأتباع مستعمرين؟

 

هذه بعض من الأسئلة التي تبحث عن أجوبة لمغزى ذلك الخيار وأهدافه، أم إنه مجرد وجه آخر لحال الضياع التي تعانيها جبهة تعرف أنها حكمت وأفسدت وقادت إلى الفشل، فأرادت أن تترك بصمتها الأخيرة، بأن تزيد الطين بلة؟ انتخب سليمان شنين رئيسا للغرفة السفلى للبرلمان الجزائري، بتنازل أو تواطؤ حزب جبهة التحرير الوطني التي سحبت مرشحها للمنصب، بعد أن أفرغت المكان بإقالة معاذ بوشارب.

وينتمي شنين إلى حركة البناء الوطني، وهي جزء من تحالف النهضة والعدالة والبناء الذي يضم ثلاثة أحزاب إخوانية، حظيت برضا ورعاية مؤسسة العصابة.

إنه واحد من قادة منهج أيديولوجي رفضته الجزائر. ولكن مهدت لتوليه منصبه الجديد جبهة ترفض سلطتها الجزائر. وما يخشاه الجزائريون هو أن تتواصل التواطؤات، حتى يأتي على رئاسة الجزائر واحد من ورثة العشرية السوداء، يؤمن بنظرية: إما نحن أو الخراب.

الوقت قد حان لكي ينظر الجزائريون الذين يملأون الشوارع في التواطؤات الأخيرة التي يرتكبها ورثة الفساد، أن ينظروا في عقلية التآمر التي تقف خلفها.

الإسلاميون الجزائريون الذين يزعم البعض أنهم “معتدلون”، كانوا من الأساس من صنيعة جبهة التحرير. إنهم فرعها لامتصاص النقمة. ويبدو أنها تعدهم لكي يرثوا سلطتها على أمل أن يعيدوها إليها بعد حين.

هل هذا هو أساس الصفقة؟ وإلى أي مدى شاركت المخابرات في تحريك أصابعها من خلف الكواليس لتهيئ الدار لمن ساهموا بخرابها من قبل؟

أهو انتقام من الجزائريين الذين ضاق ذرعهم بالفساد؟ أهو محاولة لدفع الجزائر إلى الهاوية التي اندفعت إليها مصر بسلطة الإخوان؟ وهل يختلف إخوان الجزائر عن غيرهم من إخوان الشيطان الآخرين؟ وإن شاءت جبهة التحرير أن تعود إلى السلطة، على ظهر الفشل المنتظر، فكم من الجزائر سيبقى في ذلك الوقت لينقذوه؟

كل هذه الأسئلة إنما تذهب في اتجاه واحد، هو أن الذين قادوا نظام الفساد يريدون أن يبيعوا الجزائر لمن هم أفسد منهم. الأولون يغنمون المال والجاه والأمن، والآخرون يغنمون السلطة.

وهذه إهانة لن تتحملها الجزائر. الجزائريون أذكى، على أي حال، من عقلية التآمر التي تقودها بقايا العصابة.