مع بدء تطبيق خطة وزارة العمل لمكافحة العمالة الاجنبية، بدأت شوائب الخطة تظهر بعد اعتراض اصحاب المهن التي لا تتوفر فيها اليد العاملة اللبنانية، والتي ستحمّلها خطة «العمل» أعباء مالية تصل الى 2000 دولار عن كلّ عامل أجنبي.
 

حظيت خطة وزير العمل كميل أبو سليمان لمكافحة اليد العاملة الاجنبية والمباشرة بتطبيقها بحماسة في اليوم الاول من انطلاق حملات التفتيش بالاستحسان، لأنّ ظاهرة استبدال العمالة اللبنانية بالاجنبية تفشّت بشكل كبير في لبنان منذ بدء أزمة النزوح السوري، التي كبّدت الاقتصاد اللبناني خسائر بمليارات الدولارات.

ومع ارتفاع مستوى البطالة في لبنان جرّاء أزمة النزوح وما أسفر عنها من انتشار عدد ضخم من المؤسسات غير الشرعية على الاراضي اللبنانية، واستبدال جزء من ارباب العمل اللبنانيين عمالهم بآخرين سوريين بكلفة أقلّ، كان من الضروري أن تبدأ الجهات الحكومية المعنيّة بمكافحة هذه الآفة، بدءاً من اغلاق المؤسسات والمعامل والمحال و«الاكشاك» غير الشرعية، وصولاً الى مكافحة العمالة الاجنبية لدى المؤسسات اللبنانية الشرعية.

لكن رغم انّ المؤسسات غير الشرعية ما زالت منتشرة وفعّالة، حيث تمّ إغلاق نسبة ضئيلة جدّاً منها، فقد انطلقت وزارة العمل بحملتها لمكافحة العمالة الاجنبية غير الشرعية، واعطت مهلة شهر للمؤسسات كفترة سماح لتسوية اوضاع عمالها.

سارعت مؤسسات القطاع الخاص التي استبدلت سابقاً عمالها اللبنانيين بآخرين سوريين، الى الاستعانة مجدداً بالعمالة اللبنانية وتسريح الاجانب، لأنّ تسوية اوضاع هؤلاء، كما تطالب وزارة العمل، ستكبّدهم اعباء مالية اضافية. 

لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا بالنسبة للقطاعات التي توظّف عمالاً أجانب بسبب عدم توفر المهارات اللبنانية واليد العاملة اللبنانية الخبيرة والحرفية، وتحديداً في القطاع الصناعي الذي يعتمد على العمالة الاجنبية بشكل اساسي منذ سنين، على غرار قطاعي الزراعة والبناء اللذين يسمح لهما القانون باستخدام اليد العاملة الأجنبية؟

هل الوضع الاقتصادي المتردّي للقطاع الصناعي يسمح له اليوم ان يتكبّد أكلافاً اضافية هو في غنى عنها؟ هل انّ ارتفاع كلفة الانتاج في لبنان التي تحرمه المنافسة في الخارج، ليست كافية لتتسبّب في تراجع أعماله؟ وهل المقصود استهداف ما تبقى من مؤسسات صناعية شرعية ملتزمة دفع كافة متوجباتها للدولة على عكس المؤسسات المكتومة والمتهرّبة من دفع الضرائب؟

كان من الاجدى قبل تعميم خطة وزارة العمل على كافة القطاعات الانتاجية ان تتم دراسة متطلبات كلّ قطاع، خصوصاً في ظل غياب المؤسسة الوطنية للاستخدام، التي كانت لتثبت عدم توفر اليد العاملة في كافة المهن والقطاعات.

أما في حال لم يتمّ تعديل خطة وزارة العمل وإدخال بعض الإعفاءات عليها، فانّ هدفها سيتحوّل من «تشجيع اليد العاملة اللبنانية» الى «إقفال المؤسسات الصناعية اللبنانية»، لأنّ الاخيرة غير قادرة اليوم على دفع أي كلفة اضافية تصل الى 2000 دولار سنوياً لتسوية اوضاع كلّ عامل لديها، في وقت تصارع فيه للاستمرار وتخطّي ازمتها المالية والاقصادية.

كلفة تسوية اوضاع العمال الاجانب (للفرد الواحد):

• فحوصات طبيّة: 87 الف ليرة

• بوليصة تأمين: 150 ألف ليرة

• إجازة عمل: 230 الف ليرة

• عقد عمل لدى كاتب العدل: 230 ألف ليرة

• الانتساب الى صندوق الضمان الاجتماعي (علما انّ العامل الاجنبي لا يستفيد من خدمات الضمان): 137 الف ليرة شهرياً أي مليون و644 ألف ليرة سنويا. 

• رسوم الامن العام: 400 الف ليرة 

• كفالة مصرفية: مليون و500 ألف ليرة

بكداش 
في هذا الاطار، أوضح نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، انّ جمعية الصناعيين سبق وعقدت مع وزير العمل اجتماعاً بناءً سيليه اجتماع آخر يوم الاثنين المقبل، وكان الوزير متفهماً جدّا لهواجس الصناعيين في ما يتعلّق بالعمال الاجانب. وقال بكداش لـ«الجمهورية»، انّ القانون يجب ان يُطبّق، «ونحن مقتنعون بأنّ العامل اللبناني لديه الاولوية بين العمال الاجانب خصوصاً السوريين وتحديداً الذين يتقاضون رواتب من الامم المتحدة».

أضاف: «طرحنا على وزير العمل هواجسنا المتعلّقة بندرة العمالة اللبنانية في الصناعات الثقيلة مثل الرخام وغيرها، حيث لا يعمل اللبنانيون، بالاضافة الى وظيفة «العتّال». كما طرحنا له هواجس بعض المهن كالخياطة، حيث لا يوجد عمال لبنانيون، وطلبنا من الوزير إمهالهم مدّة أطول من اجل تدريب لبنانيين على هذه المهنة». 

وأشار بكداش الى انّ المصانع في بعض المناطق في لبنان تعاني من ندرة العمالة اللبنانية، «وبالتالي لا يمكننا مقارنة عدد العمال اللبنانيين الموجودين في الضاحية والبقاع والشمال مع عدد العمال في كسروان والمتن». لافتاً الى انّ بعض الصناعيين في المتن يستقدمون عمالاً لبنانيين من عكار، إلا انّ هؤلاء العمال يرفضون الاقامة في المدينة.

وفيما اكّد انّ وزير العمل كان متفهّماً لكافة هواجس الصناعيين ووعد بدراستها، اعتبر بكداش انّ مهلة الشهر التي أعطاها الوزير من اجل تسوية اوضاع العمال كانت قصيرة، «ولم يتسنّ لنا استكمال المفاوضات معه، لكننا سنتابع الموضوع معه يوم الاثنين». كما رأى انّ توقيت تطبيق هذه الخطة سيئ بالنسبة للظروف الاقتصادية التي تمرّ بها المؤسسات. 

وقال: «من المؤكّد انّ هناك العديد من العمال الاجانب الذين حلّوا مكان العمال اللبنانيين في المطاعم والمحلات التجارية، والدكاكين ولدى الحلّاقين، وعمال خدمة التوصيل delivery، والنواطير، وعمال محطات الوقود.... 

لهذا السبب نتمنى على وزير العمل بدء حملات التفتيش في تلك المهن والقطاعات، وفي المناطق حيث يتوفر العمال اللبنانيون». 

واوضح انّ كلفة اجازة العمل ارتفعت اليوم، وقد بات العامل الاجنبي يكلّف أكثر من العامل اللبناني، لكنّ في بعض الصناعات لا يوجد للاسف بديل لبناني عن العامل الاجنبي. 

مصانع الأحذية تشكو 
في السياق، اجتمع وزير الصناعة وائل أبو فاعور امس، بوفد من أصحاب مصانع الأحذية، عرضوا له مشكلة مستجدة حول الزامهم بتنظيم اجازات عمل للعمّال الأجانب، وهو أمر مكلف عليهم، لاسيّما في ظلّ عدم توافر يد عاملة لبنانية متخصّصة وماهرة ومدرّبة تعمل في هذا المجال. وصارحوا الوزير بأنّ استمرار هذا الاجراء سيؤدّي إلى اقفال المزيد من مؤسساتهم، طالبين تدخّله مع وزير العمل كميل أبو سليمان ومع الادارات المعنية الأخرى لايجاد حلّ.

وردّ ابو فاعور: «نحن كوزارة صناعة ندعم بالتأكيد حملة وزير العمل حول تشجيع استخدام العمالة الوطنية، لكن هناك قطاعات ومؤسسات صناعية كثيرة قدّمت طلبات الى وزارة الصناعة تشكو فيها من ندرة اليد العاملة اللبنانية الخبيرة والماهرة والحرفية، وبالتالي فإنّها مضطرة الى استخدام يد عاملة غير لبنانية. وراجعت وزير العمل بهذا الخصوص، وسنعقد اجتماعاً ظهر الاثنين المقبل بحضور ممثلين عن جمعية الصناعيين للبحث عن آلية تؤدّي إلى الغرض الذي تطلبه وزارة العمل مع مراعاة الأوضاع الخاصة للصناعيين».