تحرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لصناعة أزمة جديدة في سياق استراتيجية الهروب إلى الأمام التي دأب عليها، وهذه المرة في شرق قبرص من خلال التنقيب عن الغاز في مناطق غير تركية، وهو ما يضع أنقرة في مواجهة مع اليونان وإسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
 
يأتي هذا فيما يقول محللون وسياسيون أتراك إن التصعيد في قبرص يرتدي صبغة الهروب من الأزمات الكبرى التي وضع أردوغان نفسه فيها، خصوصا الغضب الشعبي الذي تم التعبير عنه في الانتخابات المحلية وخصوصا إسطنبول.
 
ويضاف إلى ذلك تهاوي الاقتصاد والإقدام على معالجات تزيد من تعميق الأزمة، خاصة ما تعلق بإقالة محافظ البنك المركزي والضغط لتقليص نسبة الفائدة، فضلا عن التورط في أزمات دولية بشكل لا ينبئ بخروج قريب منها مثل سوريا وليبيا.
 
وأخذ الخلاف مع الولايات المتحدة أبعادا متشعبة. ولا تخفي واشنطن أنها تخطط لإعلان عقوبات على أنقرة إذا تمادت في صفقة منظومة الصواريخ الروسية أس- 400. وباتت تركيا في مرمى الانتقاد الأميركي، بما في ذلك ما تعلق بمساعيها للتنقيب شرق قبرص، وقبل ذلك موقفها من التدخل في سوريا ومحاولات فرض منطقة آمنة على تخوم مناطق سيطرة الأكراد.
 
وأعربت الولايات المتحدة الثلاثاء عن “قلقها العميق” إزاء عمليات التنقيب عن النفط والغاز التي تعتزم تركيا القيام بها قبالة سواحل قبرص، مطالبة أنقرة بوقف هذه العمليات “الاستفزازية التي تثير التوترات في المنطقة”.
 
وأعلنت وزارة الخارجية التركية الأربعاء أنها ترفض تصريحات مسؤولين من اليونان والاتحاد الأوروبي عن عدم شرعية تنقيب تركيا عن الغاز والنفط قبالة سواحل قبرص، وأضافت أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يكون وسيطا محايدا في المشكلة القبرصية.
 
واجتمع دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأربعاء لمناقشة فرض عقوبات على تركيا بسبب التنقيب.
 
وحذّر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، من أن أي خطوة قد تصدر من الاتحاد الأوروبي ضد تركيا “لن تكون لها فائدة وستكون لها تداعيات عكسية”.
 
وقال الوزير التركي “إما أن يتم إيجاد حلول مشتركة وتتقاسم الثروات بشكل عادل، وإما تستمر تركيا في الدفاع عن حقوق أتراك جزيرة قبرص”.
 
ويعتقد محللون سياسيون أن فتح جبهة شرق قبرص محاولة من أردوغان لكسب ود القوميين الأتراك، من جهة، وامتصاص غضب أنصار حزب العدالة والتنمية، الذين باتوا يقفون على حقيقة أن تراجع أداء الحزب ونتائجه وشعبيته، وراءها سياسات مرتبكة لرئيس الحزب أردوغان،  من جهة ثانية.

وأشار هؤلاء إلى أن الرئيس التركي بدأ يفقد ثقة جمهور الحزب بسبب أزمة الانتخابات وما تبعها من استقالات وتصريحات لقيادات تاريخية، وهو ما يعني أن الأرضية الصلبة التي يقف عليها أردوغان ونجح بفضلها في البقاء بالسلطة لأطول فترة ممكنة بدأت تهتز.

كما أنه فقد إحدى أبرز الأوراق التي كان يناور بها، وهي الأرقام الاقتصادية التي تحققت في سنوات حكمه الأولى. وتعود خسارة تلك الورقة المهمة إلى سياسات اقتصادية مبنية على انعدام الخبرة بالميدان ومحاولة فرض أفكار تتناقض مع طبيعة القطاع مثل الاستمرار في سياسة خفض أسعار الفائدة.

ويعمل أردوغان على تبرئة نفسه وصهره وزير المالية والخزانة بيرات البيرق من أي مسؤولية، والتأكيد على أنّ أساس المشاكل كان محافظ البنك المركزي المقال مراد تشيتن كايا، بدل أن يعترف بأن سياساته الاقتصادية هي التي أدّت إلى الانهيار والركود.

ولا يقيم أردوغان وزنا لحالة الركود التي يعيشها الاقتصاد التركي، ويستمر في مغامراته السياسية في الخارج، خاصة في سوريا وليبيا. ففي سوريا لا تبدو الأزمة التركية على أبواب الانفراج، وعلى العكس، فقد تحول تدخل أنقرة في الصراع إلى استنزاف، حيث يسقط بشكل يومي جنود أتراك بين قتلى وجرحى، وبات مصير الموقف التركي بيد روسيا التي تناور بربح الوقت وتضغط لدفع أنقرة إلى تقديم التنازلات.

ولا يختلف الأمر كثيرا في ليبيا، حيث تحول التفاخر التركي بتسليح الميليشيات، التي تتخفى وراء حكومة الوفاق الوطني، إلى تورط مباشر في الحرب بعد أن أعلن قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر الوجود التركي في ليبيا كهدف مشروع لقواته.