في ضوء التعقيدات التي يواجهها رئيس الوزراء سعد الحريري، كشفت مصادر لـِ صحيفة "العرب" أنّ الأخير  ليس في وارد تقديم استقالة حكومته خصوصًا في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها لبنان.
 
وأشارت هذه المصادر إلى أن الحريري لا يعتبر نفسه معنيا بالعقوبات الأميركية الأخيرة على نائبين ينتميان إلى حزب الله هما محمد رعد وأمين شرّي وعلى مسؤول أمني في الحزب هو وفيق صفا.
 
وأوضحت المصادر لـِ العرب أنّ الحريري لا يجد خيارا أمامه غير تجاهل العقوبات الأميركية من جهة ورفض التجاوب مع طلب حزب الله التضامن معه من جهة أخرى.
 
وقال الحريري إن العقوبات الأميركية التي استهدفت اثنين من نواب جماعة حزب الله للمرة الأولى أخذت “منحى جديدا” لكنها لن تؤثر على عمل البرلمان أو الحكومة، مطالبا بعدم تضخيم هذا الموضوع.
 
وأضاف في بيان صادر عن مكتبه “إنه أمر جديد سنتعامل معه كما نراه مناسبا”. وتابع “المهم أن نحافظ على القطاع المصرفي وعلى الاقتصاد اللبناني وإن شاء الله تمر هذه الأزمة عاجلا أم آجلا”.

وأشارت المصادر عينها إلى أن المشكلة الأكبر، التي لا تزال تواجه الحريري، تعود إلى الحادث الذي وقع الأحد الماضي في منطقة عاليه  وقتل فيه عنصران درزيان من مرافقي الوزير صالح الغريب، موضّحةً  أن الحريري يرفض الاستجابة لطلب طلال أرسلان الذي يصرّ على إحالة الملف إلى المجلس العدلي.

وكشفت المصادر أن رئيس الحكومة أبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون، عبر مبعوث له، بأن إحالة جريمة مقتل الشابين الدرزيين على المجلس العدلي ممكنة في حال واحدة. وذكر أن هذه الحال هي إحالة جريمة أخرى تورط فيها أحد مرافقي طلال أرسلان إلى المجلس العدلي أيضا.

وأضافت المصادر ذاتها أن الحريري يعرف تماما أن الهدف من إحالة جريمة مقتل الشابين الدرزيين المواليين لطلال أرسلان والوزير الغريب إلى المجلس العدلي هو محاولة للنيل من جنبلاط. ونقلت مصادر قريبة منه قوله في مجلس خاص إنّه “لن يسمح إطلاقا بذلك”.

وترى الولايات المتحدة حزب الله المدجج بالسلاح والمدعوم من إيران بأنه تنظيم إرهابي. وزاد نفوذ الحزب السياسي منذ أن أصبحت الأغلبية البرلمانية لحزب الله وحلفائه السياسيين في انتخابات العام الماضي.

ووصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو العقوبات بالخطوة التي تأتي في إطار جهود للتصدي “للتأثير الفاسد” لحزب الله المدعوم من إيران في لبنان.

وتعتبر أوساط لبنانية مراقبة أن واشنطن تدرك أن الحكومة اللبنانية عاجزة عن تنفيذ طلبها بقطع علاقاتها مع مسؤولي حزب الله الذين فرضت عليهم عقوباتها الجديدة.

وتضيف هذه الأوساط أن بيروت والرئاسات الثلاث، الجمهورية والحكومة والبرلمان، لا تملك القدرة على التصادم مع حزب الله وهو جزء أساسي ومهيمن داخل النظام السياسي اللبناني الراهن.

وتستبعد مصادر سياسية أن يكون للعقوبات الأميركية الجديدة أثر مزلزل على الصفقة التي أنتجت معادلة الحكم الجديدة برئاسة ميشال عون، خصوصا وأن التسوية التي أبرمها عون مع زعيم تيار المستقبل سعد الحريري جرت بتواطؤ ورعاية حزب الله.

وقالت المصادر إن كافة القيادات السياسية في لبنان، حتى تلك المعارضة لحزب الله، لن تستخدم العقوبات الأميركية للقيام بما يمكن أن يهدد السلم الأهلي في لبنان.

وتؤكد مراجع برلمانية لبنانية أن موقف لبنان الرسمي سيتمكن من التعامل مع مسألة العقوبات الجديدة مع حزب الله، وهو الذي استطاع التعامل مع المحكمة الدولية الخاصة بشأن اغتيال رفيق الحريري، والتي تتهم أعضاء في حزب الله، المشارك في الحكومة والبرلمان، بارتكاب تلك الجريمة.

ولفت بعض الخبراء إلى أن قدرة لبنان على استيعاب مسألة العقوبات ومنعها من ضرب الاستقرار السياسي والوطني في البلد لا تعني أن الأمر سيكون مريحا لحزب الله.

ويضيف هؤلاء أن الحزب، حتى لو كابر في التقليل من وقع هذه العقوبات وفق ما سيعلنه أمينه العام الجمعة، فإنه يعاني من تصاعد الحصار ضده على المستوى المالي والأمني والسياسي، وأن مسّ العقوبات بممثليه البرلمانيين واضطراره قبل ذلك إلى تعيين وزير للصحة قريب منه وليس عضوا في الحزب، دليل على تصاعد انكشافه أمام المجتمع الدولي، لاسيما وأن دولة كبرى كبريطانيا انضمت مؤخرا إلى الولايات المتحدة في وضع الحزب بجناحيه السياسي والعسكري على لوائح الإرهاب.

وترى مصادر دبلوماسية غربية في بيروت أن واشنطن، والتي زار وزير خارجيتها مايك بومبيو لبنان قبل أشهر، حريصة على الاستقرار في لبنان ولن تجبر حكومته على اتخاذ مواقف تضر بهذا الاستقرار.

وتضيف المصادر أن المظلة الدولية، لاسيما تلك التي تمثلت بمؤتمر “سيدر” تقف خلف لبنان في حسن التعامل مع مسألة العقوبات الأميركية ضد الحزب وفهمها ضمن سياق تصعيد واشنطن ضد طهران.