اتركوا الحكومة بمناى عن الخلافات !!
 
شكّل المشهد السياسي المتأزّم ما بين زيارتَي رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل إلى الجبل وطرابلس، على خلفية المواقف التي أطلقها، محطة هامة توقفت عندها أوساط سياسية، في محاولة لتلقّف مغزى الإشارات التي يوجّهها باسيل، من خلال إطلاق مواقف تنبش الماضي وانقساماته تحت عنوان الحوار والتلاقي، في حين أن الأولويات في البلاد في مكان آخر، والنقاط التي يثيرها باسيل ليست موضع نقاش في مرحلة هي من أدقّ المراحل وأخطرها سياسياً وأمنياً واقتصادياً ومالياً.
 
فمن المتوقع ان تتكثف الاتصالات والمشاورات خلال الساعات المقبلة بين مختلف الأطراف في سبيل تضييق شقة الخلاف القائمة بين المطالبين باحالة حادث قبر شمون على المجلس العدلي والمصرين عليه وفي مقدمتهم النائب طلال أرسلان المدعوم من وزراء التيار الوطني الحر وبين الرافضين لهذا المطلب وفي مقدمتهم وزيري الحزب التقدمي الاشتراكي المدعومين من رئيس جلس النواب والحكومة، تمهيداً للتوصل إلى صيغة حل وسط مقبولة من الجميع، تسهل الخروج من هذا المأزق وتعيد وتيرة الحركة السياسية ومعاودة جلسات مجلس الوزراء إلى طبيعتها المعهودة . 
 
وتعود حادثة قبرشمون إلى الأحد 30 حزيران حينما واجه موكب لوزير المهجرين صالح الغريب في المنطقة مجموعة من المحتجين من أنصار الحزب التقدمي الاشتراكي على زيارة لوزير الخارجية جبران باسيل، وانتهت هذه المواجهة بين الطرفين بإطلاق نار سقط خلاله اثنان من مرافقي الغريب قتلى وهم من عناصر الحزب الديمقراطي.
وكادت الأمور تتدحرج إلى فتنة درزية درزية لولا التحركات السريعة التي قام بها الجيش والقوى الأمنية، بيد أن شظاياها السياسية لم تخمد في ظل إصرار باسيل وأرسلان على وجوب تسليم الحزب التقدمي الاشتراكي للمطلوبين وإحالتهم على المجلس العدلي بذريعة أن ما حصل هو محاولة اغتيال لوزير.
 
 
ويقاطع وزراء التيار الوطني الحر ووزير المهجرين جلسات الحكومة، للضغط من أجل الاستجابة لمطالبهم التي هي محل رفض العديد من القوى السياسية ومنها تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي.
ويتصدر رئيس مجلس النواب جهود إيجاد تسوية سياسية للأزمة التي باتت تهدد بفرط عقد الحكومة، في المقابل كلف رئيس الوزراء سعد الحريري اللواء عباس إبراهيم المدير العام للأمن العام ببحث التسوية الأمنية والقضائية مع الأطراف المعنية. ويلتزم حزب الله الصمت حيال مسار الأمور التي تبعت حادثة قبرشمون بيد أن دوائر سياسية تقول إن الحزب يتابع عن كثب الأوضاع، رافضا في الوقت نفسه التدخل وممارسة ضغوط على حليفه باسيل أو أرسلان لإنهاء الأزمة، في تناقض مع مساعي حليفه نبيه بري.
ويقول مراقبون إنه على ضوء المعطيات الحالية من المستبعد عقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل، رغم أن هناك العديد من الملفات التي تتوجب معالجتها، ومنها ميزانية العام 2019 وملف الكهرباء والتهرب الضريبي.
ويمر لبنان بوضع اقتصادي صعب، وتطالب المجموعة الدولية بإصلاحات سريعة لدعمه، بيد أن المزايدات السياسية والتعطيل الجاري لمجلس الوزراء من شأنهما أن يعززا الشكوك في قدرة هذا البلد على النهوض اقتصاديا.
 
وفي هذا السياق دعا نائب رئيس الوزراء غسان حاصباني إلى ضرورة ألا تكون الحكومة مكانا لتفجير التشنجات والتموضع السياسي لأن كل يوم تعطيل أو تأخير لعملها يأتي علينا بمزيد من الخسارة على الصعيد الاقتصادي والمالي، وقال هناك من يدفع بنا إلى انهيار اجتماعي واقتصادي كامل.
 
ويعتقد المراقبون أن الساعات المقبلة قد تسفر عن حلحلة الأمور، ولكن لا يمكن الجزم بذلك، حيث أن باسيل الذي يستشعر أنه في موقع قوة يرفض تقديم أي تنازل ويعتبر ما يحصل معركة فرض إرادات. وفي رأي هؤلاء، أن مثل تلك الجولات، ومثل ذلك الكلام، يمكن الوسط السياسي أن يتفهّمه لو كان باسيل يخوض حملة انتخابية، كما كانت الحال في الانتخابات النيابية في أيار الماضي، حيث هكذا نوع من الخطاب يفعل فعله في القواعد الناخبة.
أما إثارة المواضيع التي تثير الحساسيات الشعبية، وتستهدف الزعامات السياسية، وتوضع في خانة الإقصاء أو الإلغاء أو حتى الإعدام السياسي، في مرحلة سياسية وأمنية حرجة في ظل ارتفاع حدة المواجهة في المنطقة، وفي ظل ظروف مالية خطرة تضع البلاد على شفير الانهيار، فهذا يستدعي، في رأيها، البحث عن الحيثيات والخلفيات التي دفعت رئيس أكبر تكتل وزاري ونيابي داعم للعهد، إلى إثارة مناخ من التشنج، لا يصبّ في مصلحة أي فريق، بما فيها فريق باسيل نفسه.