صراع صامت بين تيار إيران داخل النظام السوري والتيار الموالي لروسيا
 
تشير التغييرات التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد أخيرا على صعيد الأجهزة الأمنية إلى رغبة في طمأنة الجانب الروسي من جهة وإلى محاولة لتقليص الهيمنة الإيرانية على قسم من هذه الأجهزة، خصوصا المخابرات الجوية التي كان يديرها اللواء جميل حسن من جهة أخرى.
 
واستغل الأسد مرض جميل حسن كي يستبدله بنائبه اللواء غسان جودت إسماعيل الذي ليس محسوبا كلّيا على الإيرانيين مثل جميل حسن الذي يعالج من السرطان في أحد مستشفيات حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت.
 
وكان قرار صدر في أول يوليو الجاري بالتمديد لجميل حسن سنة واحدة، لكن سرعان ما استُبدل هذا القرار بإبعاده وتعيين اللواء غسان إسماعيل مكانه.
 
وجرى تعيين رئيس مجلس الأمن القومي علي مملوك نائبا للرئيس للشؤون الأمنية، وحل بدلا عنه في رئاسة مجلس الأمن القومي مدير المخابرات العامة محمد ديب زيتون.
 
فيما حل بدلا عن زيتون في رئاسة المخابرات العامة رئيس شعبة الأمن السياسي اللواء حسام لوقا، وعين مكان الأخير في رئاسة شعبة الأمن السياسي اللواء ناصر علي.
 
كما حل ناصر علي، الرئيس السابق لفرع الأمن السياسي في حماة رئيسا لشعبة الأمن الجنائي بدلا عن صفوان عيسى، بينما عين اللواء غسان جودت بدلا عن اللواء جميل حسن على رأس إدارة المخابرات الجوية.

وتقول مصادر سياسية عربية تراقب الوضع السوري عن كثب إن التخلي عن جميل حسن، المعروف بشخصيته القويّة ونفوذه الواسع، يشير إلى رغبة في إيجاد توازن جديد داخل الأجهزة الأمنية لمصلحة شعبة المخابرات العسكرية التي يتولاها اللواء كفاح ملحم.

ويعتبر ملحم قريبا جدّا من الروس ولا يوجد في الوقت نفسه أي غبار على ولائه لبشار الأسد.

ومعروف أن شعبة المخابرات العسكرية هي الأفضل تجهيزا والأكثر عديدا بالمقارنة مع الأجهزة الأخرى. لكن المخابرات الجويّة لعبت دورا أساسيا بين الأجهزة إذ كانت تحظى دائما برعاية خاصة من حافظ الأسد (طيار سابق) الذي كان يضع على رأسها ضباطا موثوقين منه مثل محمّد الخولي.

ولاحظت المصادر السياسية أن كلّ التغييرات التي جرت على رأس الأجهزة الأمنية صبّت في اتجاه تعيين ضباط موالين كلّيا لبشار الأسد، بينهم الشركسي حسام لوقا الذي أصبح رئيسا للمخابرات العامة.

ويقول مراقبون إنه بغض النظر عن السيناريوهات المتعددة التي راجت حول أسباب التعيينات الأمنية الجديدة، إلا أن الثابت أنها تأتي في سياق الصراع الصامت الجاري حاليا بين تيار إيران داخل النظام والتيار الموالي لروسيا.

وأضاف هؤلاء أن موسكو تسعى لتطوير سمعة النظام السوري لتسويق التسوية التي تعمل على إنتاجها لدى العواصم الدولية.

ومعروف عن جميل حسن أنه من أبرز الموالين لإيران في سوريا، ويعتبر أن التحالف مع طهران هو الضمانة الوحيدة لحماية النظام.

وتذهب أنباء أخرى إلى التأكيد أن عزل حسن أتى بقرار روسي بعد فشل اجتماع ضمه مؤخرا وضباطا إسرائيليين في المنطقة الحدودية مع إسرائيل لبحث مشروع إسرائيلي روسي مشترك يحد من التواجد الإيراني على تلك الحدود.

والظاهر أن موسكو حسمت أمرها لجهة توجيه ضربة لواحد من أبرز مراكز النفوذ الإيراني في قلب نظام دمشق.

ويلفت الخبراء في الشأن السوري إلى أن المخابرات الجوية التي كان يقودها حسن والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري من أبرز التشكيلات الأمنية والعسكرية الموالية لإيران في سوريا.

وتشير بعض التحليلات إلى أن الإعلان عن التعيينات الجديدة هو مقدمة للمزيد من الجهود التي تبذلها موسكو للهيمنة على القرار في دمشق، وأن تبديل بعض الرؤوس التي تمسك بالأجهزة الأمنية بات ضرورة داخل سلسلة إجراءات ستسعى روسيا إلى تحقيقها قبل العبور إلى سكة التسوية التي تعمل على إنتاجها.

ولا تستبعد هذه التحليلات أن تكون للقرارات الأمنية الأخيرة علاقة بالاجتماع الذي حضره مستشارو الأمن القومي في روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة، والذي عقد في القدس أواخر الشهر الماضي لبحث مسألة ضبط النفوذ الإيراني في سوريا.