أين مصلحة المسيحيين في انهيار اقتصادي؟ أين مصلحة المسيحيين اللبنانيين في لعب دور في إطار حلف الأقلّيات الذي تدعو إيران إلى قيامه والذي تعتبر النظام السوري جزءا لا يتجزّأ منه؟
 

في مثل هذه الأيّام من السنة 2006، اندلعت حرب بين إسرائيل و”حزب الله” على أرض لبنان. هذه الحرب مستمرّة على الرغم من أنّها انتهت نظريا في آب – أغسطس من تلك السنة، عندما صدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار الرقم 1701 الذي وضع حدّا للأعمال الحربية. بقي أهمّ ما في القرار، الذي أدّى إلى تعزيز القوة الدولية في جنوب لبنان وإلى دخول الجيش تلك المنطقة للمرّة الأولى منذ العام 1975، الجانب المتعلّق بالحدود اللبنانية – السورية. كان مُفترضا أن يشمل انتشار القوة الدولية الحدود بين لبنان وسوريا بغية وضع حدّ لوضع غير طبيعي على طول هذه الحدود التي لم يعد “حزب الله” يعترف بوجودها.

منذ آذار – مارس من العام 2011، تاريخ اندلاع الثورة الشعبية السورية، تحوّل الحزب إلى إحدى الميليشيات المذهبية التي تشارك في الحرب التي يشنّها نظام أقلّوي على الشعب السوري. أسّست حرب صيف 2006 لدور أكبر للحزب على الصعيد الإقليمي، وذلك بعدما أمّن انتصاره على لبنان واللبنانيين.

في الواقع، لم تكن حرب صيف 2006 بمثابة انتصار لـ”حزب الله” على لبنان فحسب، بل كانت أيضا امتدادا لسلسلة من الأحداث أدّت إلى الوضع الراهن الذي صار فيه البلد مهدّدا بأهمّ ما يملكه، أي باقتصاده ومستقبل أبنائه الذين لم يعد لهم من مكان في لبنان يبحثون فيه عن مستقبلهم. كشفت تلك الحرب كم أنّ “حزب الله” غير مهتمّ برفاه المواطن اللبناني وببقائه في أرضه، وكم أن لبنان لا يهمّه باستثناء أنّه “ساحة” إيرانية لا أكثر.

ليس مستغربا أن لا يكون شيء نحو الأفضل حدث في لبنان منذ اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005. تكفي نظرة إلى الرصيف في منطقة وسط المدينة (سوليدير) للتأكّد من ذلك. لم يعد هناك إصلاح أو تبديل لبلاطة مكسورة. كلّ ما في البلد يعود إلى خلف، أي إلى أيّام لم يكن لدى المسلّح الفلسطيني وللميليشيوي المسيحي أو المسلم، أو لدى النظام السوري من همّ سوى التدمير الممنهج لبيروت ولوسط المدينة تحديدا، حتّى لا يعود هناك لبناني من طائفة معيّنة يلتقي مع لبناني آخر من طائفة مختلفة.

 ألم يصل حافظ الأسد في مرحلة معيّنة إلى جعل جيش التحرير الفلسطيني، بألويته الموالية له، يرابط في وسط بيروت للإشراف على هدنة بين الميليشيات المسيحية من جهة، والفلسطينيين من جهة أخرى. نعم، استخدم النظام السوري جيش التحرير الفلسطيني كقوات فصل بين المتقاتلين أحيانا، ولتأليب المسيحيين على المسلمين والفلسطينيين على المسيحيين في البلد في أحيان أخرى. لم تكن لديه من سياسة غير سياسة التفريق بين اللبنانيين وإغراق الفلسطينيين أكثر في المستنقع اللبناني الذي رفضوا تفادي الوقوع فيه. أصرّ هؤلاء على السقوط في هذا المستنقع عن سابق تصوّر وتصميم!

كانت حرب صيف 2006 نقطة تحوّل على الصعيدين اللبناني والإقليمي. أعطت فكرة عن المدى الذي يبدو “حزب الله”، ومن خلفه إيران، على استعداد للذهاب إليه من أجل التغطية على جريمة اغتيال رفيق الحريري. ما حصل في ذلك الصيف كان حربا مفتعلة خاضتها إسرائيل بهدف وحيد هو إلحاق أكبر ضرر بالبنية التحتية اللبنانية… أي في آخر ما يهمّ “حزب الله” المحافظة عليه.

متى تنتهي تلك الحرب التي يتعرّض لها لبنان؟ ليس ما يشير إلى نهاية قريبة لها، خصوصا إذا نظرنا إلى تسلسل الأحداث منذ اغتيال رفيق الحريري، بدءا بالجريمة التي كانت مؤشرا إلى موجة الاغتيالات التي بدا لبنان مقبلا عليها. كانت تلك جريمة محاولة اغتيال مروان حمادة في بيروت يوم أوّل تشرين الأوّل – أكتوبر 2004. نجا مروان حمادة من التفجير الذي تعرّض له بأعجوبة. بات الرجل يعرف الآن من يقف وراء محاولة الاغتيال التي استهدفته مباشرة بعد صدور القرار 1559 الذي دعا فيه مجلس الأمن إلى الانسحاب السوري من لبنان، وحلّ كلّ الميليشيات المسلّحة، أي “حزب الله”… وعدم تمديد ولاية إميل لحّود رئيس الجمهورية وقتذاك.

كانت لمحاولة اغتيال مروان حمادة (النائب والوزير الدرزي) ثلاثة أهداف. الرجل كان قريبا من رفيق الحريري. كان قريبا من وليد جنبلاط. كان في الوقت ذاته خال جبران تويني الذي كان محرّك جريدة “النهار” التي وقفت، في ذلك الزمن، بشجاعة ليس بعدها شجاعة ضدّ الاحتلال السوري للبنان وممارسات “حزب الله”.

ما حدث يوم محاولة اغتيال مروان حمادة كان إشارة انطلاق الحرب التي تُوّجت باغتيال رفيق الحريري، ثم بحرب أخرى، هي حرب صيف 2006 التي لا تزال مستمرّة. ذهب كثيرون ضحيّة تلك الحرب. الخوف كلّ الخوف أن يذهب لبنان ضحيّة أيضا. ففي كلّ يوم، يتبيّن أكثر غياب السياسيين القادرين على استيعاب ما هو المحكّ، ولماذا من الضروري تفادي لعب دور الأداة لدى “حزب الله” عن طريق إفشال الحكومة التي يرئسها سعد الحريري من جهة، ومتابعة الهجمة على وليد جنبلاط من جهة أخرى.

نعم، إن حرب صيف 2006 مستمرّة. بكلام أوضح، إن الحرب على لبنان مستمرّة. ليس مستغربا أن يكون الاعتصام في وسط بيروت لتعطيل الحياة فيه، وبالتالي ضرب الاقتصاد اللبناني، تلا مباشرة حرب صيف 2006. ليس صدفة أن جاءت بعد ذلك غزوة بيروت والجبل التي حصلت في أيّار – مايو 2008 وذلك بهدف إخضاع السنّة والدروز وإزالة آثار “ثورة الأرز” التي أخرجت القوات السورية من لبنان.

قاوم لبنان ولا يزال يقاوم. دفع الكثير من أجل تفادي الوصول إلى المرحلة الراهنة. يجد البلد نفسه الآن في حال إفلاس في ظلّ غياب أي اهتمام لدى قوى داخلية فاعلة، وهي قوى مسيحية، بمصيره. لا تدري هذه القوى الفاعلة التي تعتقد أنّ في استطاعتها استعادة حقوق المسيحيين بسلاح “حزب الله” مدى خطورة اللعبة التي تمارسها. لا تعرف هذه القوى معنى وضع نفسها في خدمة المشروع الإيراني، إنْ بممارسة ضغوط على النواة الصالحة في حكومة سعد الحريري، أو عبر السعي إلى عزل وليد جنبلاط بحسناته وسيئاته…

لا بدّ أخيرا من سؤال في غاية البراءة: أين مصلحة المسيحيين في انهيار اقتصادي؟ أين مصلحة المسيحيين اللبنانيين في لعب دور في إطار حلف الأقلّيات الذي تدعو إيران إلى قيامه والذي تعتبر النظام السوري جزءا لا يتجزّأ منه؟

حمى الله لبنان من الآتي عليه في غياب الوعي لما سيترتّب على حرب صيف 2006 على الرغم من مرور ثلاثة عشر عاما على انتهائها شكلا، واستمرارها في المضمون…