أي لبنان هو هذا والمشاهد ذاتها من الجبل إلى بيروت إلى طرابلس والبقاع في زمن العهد المنكوب، عهد تأجيج الصراعات الطائفية والكانتونات المذهبية ونبش التاريخ وآثار الحرب القذرة وويلاتها.
 
ربما لم يعد باستطاعة بضع كلمات أن تعبّر عن مشهدية الواقع السياسي أو الإجتماعي الذي تمرّ به البلاد، إلا أن ما ينتشر هنا وهناك بإمكانه أن يتسفزك كمواطن حرّ، كلبناني أصيل يرفض الإنقياد والتبعية لأي طائفة أو مذهب أو زعيم أو حزب أو تيار، وهذا ما حصل عندما تنتشر صورة لا تعبّر إلا عن كلمتين موجزتين، لتختصر الواقع الذي وصل إليه المواطن اللبناني "الجلاد والضحية" الجلاد الذي يلبس رداء زعامته وإقطاعيته وغروره ونشوته، والمواطن الضحية والرهينة الذي يكفكف دموعة حسرة وألما على فلذة كبده التي يقدمها على مذبح الولاء الأعمى والإنقياد المذل.
 
هذه الصورة هي حكاية وطن مسلوب وحكاية مواطن بلا إنتماء وبلا هوية، حكاية المواطن الذي بدا رهينة الزعامة الضيقة التي تستخدمه في بازار إقطاعيتها وسياساتها الخاصة والضيقة.
 
هذه الصورة هي التي توضح اليوم أكثر معنى التجارة بدم الأبرياء، ومعنى شراء العقول، وهي تؤكد مرة جديدة على أن الهدف الوحيد والهدف الأساس هو تكريس الزعامة ولو على الدم.
الصورة المؤثرة والمفجعة لـ "للمير" طلال أرسلان بما يحاول أن يظهره من زعامة مريضة وبائسة وإلى جانبه والد أحد الضحايا الذين سقطوا في أحداث الجبل يكفكف دموعه ألما وحسرة وخيبة، هذه الصورة ما هي إلا نموذج عن الحال التي وصلنا إليها، نموذج عن مرضنا اللبناني، نموذج عن بؤسنا الذي ارتضيناه ليبقى الزعيم زعيما ولو على حساب الوطن كله، وأمن الوطن كله، عن بؤسنا الذي نريده ضاربين بعرض الحائط كراماتنا كمواطنين وكشعب يجب أن يدين بالولاء للوطن وحده وللهوية وحدها.
 
إقرأ أيضًا: "عفاريت الطوائف "
 
وهكذا هي مشاهد لبنان اليوم على امتداد الخريطة وعلى امتداد العقول المغسولة برضى الزعيم، والمغسولة بالولاء المطلق للطائفة والحزب ولكل شيء آخر ما عدا الوطن.
فأي لبنان هو هذا والمشاهد ذاتها من الجبل إلى بيروت إلى طرابلس والبقاع في زمن العهد المنكوب، عهد تأجيج الصراعات الطائفية والكانتونات المذهبية ونبش التاريخ وآثار الحرب القذرة وويلاتها.
 
على مدى الأيام والأسابيع الماضية من منا لم يتذكر تلك الحرب وموتها ودمارها، وكيف استُعيدت ولماذا استعيدت؟ هل سأل المواطن اللبناني نفسه لماذا؟ 
الجواب هو : لأننا شعب باع الوطن، ولأننا مرتهنون للزعامات وأفعالها وأقوالها وللطائفة حتى لو كان المنتسبون إليها على خطأ، وبعضنا مستعد لأي حرب جديدة.
 
وهذا العهد يقف على الأطلال وقد أصبح البلد كله على شفيرالإنهيار وقد صدق من قال : هذا وطنّ لا يحكمه الله، هذا وطنٌ تحكمه الدّيَكة .