يكفي سرد قضية واحدة، للتدليل على عدم صدقية الأحزاب اللبنانية بشكل عام، وأحزاب الله والأرض والسماء بشكلٍ خاص، هي قضية الكهرباء في لبنان، التي تعاقبتها أغلبية تلك الأحزاب، والكل تشدقوا ودلدقوا وعوداً تندلق من أفواه الكتل الإنمائية والتحريرية والمستقبلية والوطنية وما هو على شاكليتها، وسرعان ما تضعها تحت أحذيتهم،  بأن لبنان كهرباؤه تأتيكم يا شعب لبنان العظيم، /24/ ع/ 24/... أليس هذا استهتار بكم وبتضحياتكم ، وخفة بعقولكم وضحك على اللحى وعلى مستقبل أبنائكم..؟
 
سأذكر لكم كلاماً لسيد الوطن والمقاومة والصدق مع الله والنفس ومع شعبه، الذي لا يخونه بالوعود الكاذبة من أجل حفنة مال أو بقاء في كرسي السلطة، هو الإمام موسى الصدر عندما قال ما معناه: إن صلحت الكهرباء في لبنان أبشروا خيراً ببناء الدولة وحفظ إنسانكم.. هذا عين ما كتبه الجاحظ في كتابه (البخلاء)، وإن كانت هذه القصة طويلة نوعاً ما، لكنني للغاية نفسها أدعوكم لقرائتها علنا نعي كيف أنَّ السياسة ورجالها، التي لا يعرفها أغلبية هذا الشعب الطيب، من أنه لا يوجد بين أفرادها من هو أقسى قلباً منهم، ولا أكثر كيداً، لأن الرجل السياسي لا يمكن أن يكون سياسياً إلا إذا كان كاذباً في أقواله وأفعاله، باطنه شيء وظاهره شيء آخر، يبتسم عندما تبكون، ويبكي عندما تبتسمون وتفرحون، لأنَّ الغالبية العظمى منهم يملكون قلوباً متحجرة، لا يقلقها فقركم وجوعكم ، ولا يزعجها نكباتكم وحسراتكم...
 
 
حتى لا أطيل فإليكم قصة الجاحظ (قال: حدَّثني محمد بن بشير عن والٍ كان بفارس، قال: بينما هو يوماً في مجلسٍ، وهو مشغولٌ بحسابه وأمره، قد احتجب جُهده، إذ ظهر شاعرٌ من بين يديه، فأنشده شعراً مدحه فيه ومجَّده، فلما فرغ، قال: "قد أحسنت"!. ثم أقبل على كاتبه، فقال: "أعطه عشرة آلاف درهم"،  ففرحَ الشاعر فرحاً قد يُستطارُ له، فلما رأى حاله، قال: "وإني لأرى هذا القول قد وقع منك هذا الموقع، اجعلها عشرين ألف درهم" وكاد الشاعر يخرج من جلده، قال: "وإنَّ فرحك ليتضاعف على قدر القول؟ أعطه، يا فلان، أربعين ألفاً"، فكاد الفرح يقتله، فلما رجعت إليه نفسه، قال له: "أنت جُعلتُ فداك، رجلٌ كريم، وأنا أعلم أنك كلما رأيتني قد ازددتُ فرحاً، زدتني في الجائزة، وقبول هذا منك لا يكونُ إلا من قلَّة الشكر له"، ثم دعا له وخرج. (قال) فأقبل عليه كاتبُهُ، فقال: "سبحان الله هذا كان يرضى منك بأربعين درهماً، تأمرُ له بأربعين ألف درهم؟؟"، قال:" وبلك أوَتريد أن تُعطيَهُ شيئاً؟"،  قال: " ومن إنفاذ أمرك بُدٌّ؟"، قال: "يا أحمق"! إنما هذا الرجل سرَّنا بكلامٍ، وسررناه بكلامٍ، وهو حين زعم أني أحسنُ من القمر، وأشدُّ من الأسد، وأنَّ لساني أقطع من السيف، وأنَّ أمري أنفذُ من السِّنان، جعل في يدي من هذا شيئاً أرجعُ به إلى بيتي؟ ألسنا نعلمُ أنه قد كَذَبِ، ولكنه قد سرَّنا حين كذب لنا، فنحن أيضاً نسرُّه بالقول ونأمرُ له بالجوائز، وإن كان كذباً، فيكون كذبٌ بكذبٍ، وقولٌ بقولٍ. فأما أن يكون كذبٌ بصدق، وقولٌ بفعلٍ، فهذا هو الخسرانُ الذي ما سمعتُ به..!"..