دمج ميليشيات الحشد الشعبي بالقوات المسلحة النظامية، صورة صريحة المعالم لتحويل القوات المهنية إلى حرس ثوري في خدمة ولاية الفقيه.
 

النظام الإيراني منذ بداية ثورته يتصرف وفقا لعقيدة مذهبية كانت بالنسبة إليه الغطاء الأمثل لتحقيق الأحلام الإمبراطورية التي جسدها بنظام سياسي وعلاقات دبلوماسية تحركت وفق آلية النظم الدولية، بهذا المعنى يكون مفهوم السلطة معبرا لتنفيذ أجندته وتحشيد القوة العددية لمجموعات طائفية تدرك عمق غايات النظام، وتكون عادة مستعدة للانغماس في تأدية ما هو مطلوب منها، وهي معصوبة البصر والبصيرة.

هؤلاء بطبيعة ما شهدته المنطقة من انقلابات أعقبت تسلم الخميني زمام الأمور في إيران، أكدوا أن فكرة الدولة والانتماء القومي لا معنى لها وأن الأهم لديهم هو إشهار ولائهم للمرشد واستعدادهم لتنفيذ أوامره ولو كانت على حساب شعب ينتمون إليه، بل إن الولاء للمرشد برر موقفهم باستجداء السلطة من المحتل.

الاكتشاف حاصل الآن في خرق سيادة العراق وقراره الوطني من قبل الميليشيات الإيرانية التي تحمل جنسية العراق وهوية مواطنيه، وبما تندفع إليه من انتقاد للحكومة وتدابيرها، رغم أن الحكومة تسعى من جانبها لإدارة التوازنات المعقدة على الأرض بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني لصالح الحفاظ على خيوط التجارة مع إيران، وهي من طرف واحد، للإبقاء على العراق منفذا ومنصة رئيسية لخرق العقوبات حتى من خلال المجازفة بتصدير شحنات النفط الإيراني أو استيراد ما يحتاجه النظام من محظورات دولية بواسطة شبكة مافيات قطعا لا علاقة لها بتقليل ضغط العقوبات على المواطنين الإيرانيين.

لماذا تلجأ ميليشيات الحشد الشعبي إلى إحراج الحكومة رغم أن كل الأطراف تؤدي ما عليها من واجبات لخدمة ولاية الفقيه ومن جوانب متعددة. يكمن الالتباس في المواقف من منطلق المزايدة على الولاءات، وهذا ما يجري في إيران ضمن أجهزة النظام أيضا وينتقل كالأواني المستطرقة في امتدادات المشروع الإيراني خارج الحدود. والخلاصة في هيكلية النظام الذي يقوم على مبدأ دولة الميليشيات التي تعتمد الإذعان والرقابة على مكوناتها لعدم الثقة، ومنها التسليم بحقيقة ولاء حكومة العراق وباقي مفترقات عناوين السلطة إلى تنظيم الدولة الإيرانية، وهذا ما تريد ولاية الميليشيات أن تقوله للولايات المتحدة في العراق.

استلاب بقايا الحكومة أو القانون أو إرادة البرلمان لا يعني إلا أنه ثمة توصيات ومقررات تختص بالقضايا الآنية دون نسيان تفعيل التفاصيل المتعلقة بأسس مشروع إرهاب ولاية الفقيه. أي أن الميليشيات لن تتخلى عما حصدته من إرهاب داعش، وما صدر من فتوى المرجع المذهبي ولا عن المكاسب الانتخابية للكتل الميليشياوية، وفي هذا السياق يمكن قراءة ما ينتظر مدينة الموصل العريقة بعروبتها التي تصلح أن تكون نموذجا لما يرادُ به لمدن عربية أخرى أجهزت عليها الميليشيات.

نحن بصدد مرحلة تتداخل فيها شراهة تجار الحروب ودوافع التغيير السكاني بحماية القوانين والانتخابات الفاسدة، حيث تجري عملية اغتصاب الممتلكات وذلك بمقايضتها بالخوف والجوع وأصداء كرامة إنسانية مفقودة، أي الاستثمار في اليأس من الإعمار ووعود التعويضات.

ملاحقة أصحاب البيوت وترغيبهم في بيع أملاكهم المهدمة بسبب الحرب على تنظيم داعش بأسعار رمزية، إرهاب آخر يستهدف قطع آخر صلة للمشردين في الخيام بمناطق سكناهم. هذا الاستثمار لا يردعه المجتمع الدولي لأنه لا ينتبه للتفاصيل والمخططات الخطيرة وتبعاتها في ازدياد أعداد اللاجئين والمهاجرين التي تختفي وراءها بنادق وأسلحة الميليشيات، حيث باتت تهيمن على القرار السياسي وتتنازع مع سلطة من ذات جيناتها لتكون ضمن دائرة المنافسة والقرب من كرسي مرشد الولاية.

ما يقال عن حصر السلاح بيد الدولة في العراق صار في ضوء الإصدارات الجديدة بدمج ميليشيات الحشد الشعبي بالقوات المسلحة النظامية، صورة صريحة المعالم لتحويل القوات المهنية إلى حرس ثوري في خدمة ولاية الفقيه، وهو ما حصل في إيران منذ زمن طويل في وقت يتجه فيه ملالي طهران إلى معالجة أوضاعهم ومخاوفهم الداخلية بالتحول الشكلي لمهام قواتهم المتعددة بما فيها الجيش الإيراني إلى مهمات فيلق القدس في تدوير لمناوراتهم القديمة وأثرها في احتلال المدن العربية.

يتم تطويع الميليشيات لمهمات مختلفة في مقدمتها إثارة الفتن مجددا، والإعداد لاحتمالات أسوأ تحسبا لأي صراع مع الولايات المتحدة وذلك من خلال سلسلة صدمات وكوارث ونكبات بأسلوب يتجاوز الإرهاب الداعشي في الترويع، بما يستلزم الحذر واليقظة من عمليات وهجمات غير متوقعة تربك احتمالات المواجهة مع إيران وتساهم في جر المجتمع الدولي إلى التدخل لإيجاد الحلول بعد أي صدمة نوعية لتحويل مجرى الصراع إلى مجرد التزام من الجانب الإيراني بالاتفاق النووي ومستوى تخصيب اليورانيوم.

ولاية الميليشيات تدرك أنها بدأت تغرق في الأزمات، وأنها في مفترق طرق مع الشعوب الإيرانية وهذا يمتد إلى حال الأحزاب في العراق مع واقع النظام السياسي حيث بدأت بعض الأحزاب والزعامات بالقفز من المشروع الإيراني إلى مشروع المناورة لاستجداء العلاقة مع الشعب، بالإيحاء بنوع من الاستقلالية في اتخاذ القرارات، لكن ذاكرة الشعوب ستبدد الكثير من تفاصيل ولاية الميليشيات وتجار الحروب.