تعامُل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع أحداث الجبل بعقل بارد، يجعل تسلسلها أشبه بلعبة شطرنج، ففي أعقاب سقوط الضحايا، كان اتهام الوزير صالح الغريب للاشتراكيين بنصب كمين، هو المفصل لتحديد الاحداث اللاحقة، والمطالبة بإحالة الملف الى المجلس العدلي، ثم الركون الى مبادرة اللواء عباس ابراهيم، ثم الانقلاب عليها بعد أن نقلت النقاش من إحالة الملف الى المجلس العدلي الى تسليم مُتوازٍ للمطلوبين.
 

حرص وليد جنبلاط على استيعاب العاصفة، فانطلقت حركته من زوايا ثلاث:

الأولى، تمثّلت في توحيد البيت الدرزي، من خلال اجتماع المجلس المذهبي حول جنبلاط الذي اختار أن يطلق مواقف توحيدية، مُبدياً استعداده للحوار والاقرار بوجود تعدّد درزي، وفيما كان يخاطب الوجدان الدرزي التوحيدي الذي يعطي الوحدة الدرزية الاولوية وقت الصعاب، كان النائب طلال ارسلان يهاجم جنبلاط بعنف معطياً الانطباع أنه جزء من الانقسام الدرزي، وهذا ما لا تستسيغه الطائفة الدرزية. تقصّد جنبلاط أن يسحب الاوراق من خصومه الدروز لإحراجهم، وطوّر اتصالاته السياسية في اتجاه الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري، لإيجاد شبكة أمان، حيث كان لتوقيت اللقاء أهمية كبيرة حَدت المعارضة الدرزية الى إرسال الوزير صالح الغريب الى عين التينة لقطع الطريق على انفتاح جنبلاط.


الثانية، تمثّلت باستيعاب ما حصل من مداهمات فجر ليل حادثة قبر شمون، فالبيان الاشتراكي الذي وصف المداهمات بالهمجية، إنقلب خطاباً اشتراكياً معتدلاً في اليوم التالي وصل الى حد قول جنبلاط انه تحت القانون. في خلفية ما حصل، تقول معلومات إنّ تلك المداهمات جرت من دون رضى ومعرفة الجهات المعنية، وأريد منها نصب فخ تصطدم فيه هذه الجهات بالبيئة الدرزية، ليخرج الفائز مزهوّاً بإصابة خصمين عنيدين في ضربة واحدة. إستعان جنبلاط بخبرته المتراكمة، وقبِل بتسليم عدد من لائحة الاسماء التي قدّمها ارسلان، واشترط توقيف مطلقي النار من الطرف الآخر، وغير المفاجئ أنّ إطلاق النار على مبادرة اللواء عباس ابراهيم، أتى من نواب التيار الوطني الحر ووزرائه الذين رفضوا تكليف أي مسؤول التفاوض مع «القتلة»، كما رفضوا تحييد أجهزة أمنية عن التحقيق، في إشارة الى رفضهم تولّي فرع المعلومات التحقيق في الحادثة، علماً أنّ أصداء هجوم النائب ارسلان على مدير المخابرات العميد انطوان منصور، ارتفعت، في مقابل الايحاء بأنّ مرجع التعامل مع المؤسسة العسكرية هو وزير الدفاع الياس بوصعب.

الثالثة، تمثّلت في فتح جنبلاط قنوات تنشيط العلاقة مع الرئيس سعد الحريري، تجاوزاً لكل الملاحظات السابقة، وهذا التنشيط أدّى الى رفض الحريري إحالة الملف الى المجلس العدلي، وهو ما حَدا الوزير جبران باسيل على تعطيل جلسة الحكومة. وتقول المعلومات إنّ باسيل يسعى لتعطيل مبادرة اللواء ابراهيم، لأنها إذا نجحت ستجعل مطلب المجلس العدلي خارج الموضوع، وقد طلب باسيل من ارسلان التشدّد في هذا المطلب، لأنه يساهم في زيادة الشرخ بين الحريري وجنبلاط من جهة، ولأنه يحوّل جنبلاط متهماً باغتيال وزير في الحكومة من جهة ثانية، ولأنه أيضاً وأيضاً يعوّض على باسيل الخسارة المعنوية التي مُني بها بعد منعه من استكمال زيارته للجبل.

أين هو «حزب الله» من كل هذه الاحداث؟ أين هو من حلفائه الذين أوفد اليهم الوزير محمود قماطي، ثم ما لبث أن أطفأ محركاته تاركاً إيّاهم في الواجهة؟
لم يحصل منذ حادثة قبر شمون أي اتصال مباشر بين جنبلاط و»حزب الله»، كل ما في الأمر أنّ وزير الاشغال يوسف فنيانوس نقل الى الرئيس سعد الحريري تطمينات من الحزب بأنه يؤيّد التهدئة، لكن باستثناء ذلك لم يتصل أي مسؤول في «حزب الله» بالقنوات المعتادة في الحزب التقدمي الاشتراكي، وتبعاً لذلك تبقى أزمة أحداث الجبل مفتوحة على كل الاحتمالات، وأول الضحايا الحكومة، المهددة بنصاب باسيل المعطّل.