امام الحكومة تحديات كبيرة ومهمة، وملفات دولية مصيرية وسط تحديات المنطقة
 
نصحت مراجع ديبلوماسية في بيروت والتي لها صلة ثابتة مع مرجع حكومي، أن ما يحصل اليوم على الساحة الداخلية يقلق كثيرا أصدقاء لبنان الدوليين، ويشكل خطرا داهما على وضعه الاقتصادي والمالي.
 
وفي هذا السياق تُجمع مراجع حكومية وأمنية وسياسية على أنّ ما حصل في الجبل يوم الأحد الدامي لم يكن صدفة، إذ كشف أنّ الكيل طفح من أكثر من جهة، فحصل حادث قبرشمون الذي كان يمكن أن يكون أكبر. فما هو الرابط بين كل هذه المحطات؟ 
 
تختلط السيناريوهات ومعها التفسيرات لما حصل في عاليه والشحار الغربي الأحد الماضي. وليس صعباً على أيّ طرف من الأطراف المتورطين في ما حصل تبرير موقفه، فكل منهم لديه ما يكفي من الحجج لتحميل سواه المسؤولية.
 
ويعترف أكثر من مسؤول أنه كان على علم بما يجري قبل ثلاثة أيام، وأنه كان بالإمكان تفادي ما حصل. لكنّ الجوَّ السياسي وتموضع بعض المسؤولين منع من بيدهم لغة التحذير من أن تكون كلمتهم مسموعة، فصحّت توقعاتهم وتحوّلت مخاوفهم وقائع مؤلمة.
 
ويقول مرجع أمني إنّ المواقف المسبقة والمفروزة سلفاً عزّزت الجو المشحون في الجبل فلم تنفع التحذيرات التي أُطلقت في تحاشي ما حصل. فالقواعد الشعبية للحزب الإشتراكي كانت تغلي لألف سبب وسبب، منها ما يتصل بما هو مطروح من تحديات سياسية زادتها المواقف المتشنّجة بين أقطاب الطائفة، رغم الفارق في حجم كل منها. فمَن هم في موقع القوة الدرزية الكبرى، وتحديداً الحزب التقدمي على اقتناع بأنّ ما كتب لهم ليس قدراً، وأنهم بامكانهم استعادة ما خسروه في التشكيلة الحكومية، فيما يسعى الطرف الآخر الى إثبات حضوره والتوسع في الإدارة والمؤسسات العامة بقدر المستطاع، وله مَن يناصره من أهل الحكم والحكومة.
 
 
وما بين هذه السيناريوهات ظهر جلياً أنّ أحداً لم يستمع الى تنبيهات الجهات الأمنية والعسكرية، فقد كانت كل المعلومات تشير بأنّ الأجواء لن تسمح بجولة عادية وهادئة لرئيس التيار الوطني الحر في الجبل في ضوء مواقفه الحادة التي يرفع فيها شعار استعادة الحقوق المسيحية وإذ توالت التحذيرات، اعتقد البعض أنه يمكن الإستعاضة عن أيّ خطوة كان يمكن اتخاذُها ولم تحصل، بتعزيز القوى العسكرية والأمنية في المنطقة التي ستشملها الجولة، وهو ما زاد حدة التوتر. 
 
ولعلّ الخلاف الذي نشب حول طلب إحالة أحداث الجبل إلى المجلس العدليّ، والذي أفرز معسكرين متناقضين أيضاً داخل مجلس الوزراء، كان من الأسباب الموجبة لعدم عقد الجلسة، خصوصاً أنّ كلّ المؤشرات كانت تدلّ على أنّ النقاش بهذه النقطة لن يكون صحياً داخل الجلسة.
 
يبدو أنّ الأيام المقبلة تعد اللبنانيين بأن يكون وزير الخارجية، جبران باسيل، هو شغلهم الشاغل أكثر مما هو الحال راهناً، طالما أنّه لن يتوانى عن بذل قصارى جهده ونشاطه لاستكمال سياحته الداخلية، المليئة بالاستفزازات، في عطلة كلّ نهاية أسبوع، رغم كلّ الاضطرابات التي يثيرها حوله على امتداد البلد. حين زار باسيل البقاع الغربي، استفزّ الأهل هناك بمقولته أنّ السنيّة السياسية جاءت على جثّة المارونية السياسية، وأخذت كلّ حقوق المسيحيين، وأنّه من الطبيعي أن يسعى لاستعادة ما يعتبره قد سُلب منهم. وحين زار بشري وقعت الإشكالات، وبعدها في بعلبك الهرمل كانت الاستفزازات. وتابع باسيل رغم كل شيء أجندة خطابه التحريضي والطائفي قبل أن يصل إلى الجبل الذي هُدرت الدماء على أرضه، بعد خطابٍ لتيّاره قام على نبش القبور وإعلاء المتاريس مجدداً بين الدروز والمسيحيين. 
 
لا يمكن لعاقل أن يُصدق أن باسيل الذي يشنّ حملة ضد السنّية السياسية يوما، وضد الشيعية السياسية وبلطجة نبيه بري يوما ثانيا، وضد الدرزية السياسية وزعامة وليد جنبلاط يوما ثالثا، هو بصدد إعداد الرئاسة المقبلة لنفسه. ما المصلحة في البكاء على مُلك مزعوم سلبه السنّة من المسيحيين؟ وما المصلحة في معاداة شيعة حركة أمل وزعيمها؟ وما الحكمة من العبث بالتوازنات الدرزية كرافعة من رافعات فتح أبواب بعبدا أمامه؟ وما غنائم كل ذلك في حسابات المرشح المُسترئس؟   يلعب باسيل من حيث يدري أو لا يدري ومن حيث يخدم نفسه أو يخدم غيره على وتر الفتنة. الأمر ليس افتراضيا بل إن وقائعه كانت خطرة في قبرشمون في قلب الجبل. فهل يجوز أن تندلع حرب أهلية من أجل مصالح ضيقة؟ لا أحد يريد هذه الحرب، لا في الداخل ولا في الخارج. 
 
فما حصل في الجبل يجب أن يكون صفحةً يتم العمل على معالجة ذيولها، وتبديد هواجس كل القوى، لأن لبنان لا يستقيم أو يستمر بدون التوازن فيه. وهذا منطقٌ يعرفه الجميع، وأجمع عليه لقاء عين التينة، وعلى مختلف القوى الالتزام به بعيداً عن الاستعراضات التي لا تؤدي إلّا إلى المزيد من التوتر لكن في كل الاحوال على مايبدو ، إنّ الاشتباك داخل التسوية والحكومة يشقّ طريقه.
 
وتأكيداً على ذلك شددت مصادر دبلوماسية أن تكرار الأحداث الأمنية المتنقلة في مناطق مختلفة الأوجه السياسية والطائفية، مشكلة اساسية يجب التوقف عندها، ومعالجتها بروية، وبعد نظر، وباسرع وقت ضمن مؤسسات الدولة، كي لا تاخذ أبعادا طائفية ومذهبية تؤثر على الوضع بشكل عام.
 
ولفتت إلى أن المجتمع الدولي يعول كثيرا على التفاهم القائم بين الرؤساء الثلاتة لمعالجة الحادثة، ويؤكد  أهمية التضامن الحكومي بين أعضائها لإنقاذ الوضع وعدم تكرار مثل هذه الاحداث .
 
المتابعة الدولية لتطور الأحداث امس، واكبتها المراجع السياسية في بيروت، والتي أكدت حرصها على تطبيق القانون، وعلى بناء دولة المؤسسات، دولة قوية تحفظ السلم الأهلي والعيش المشترك بين فئات المجتمع اللبناني.
الى ذلك لابد من العمل على تهدئة الأوضاع، وإنتاج أجواء مريحة ، فامام الحكومة تحديات كبيرة ومهمة، وملفات دولية مصيرية وسط تحديات المنطقة.