روسيا تعرف أن المعارضة ضعيفة مثل النظام تماما. وهي من خلالهما تجد معنى لاستمرارها في الإبقاء على سوريا دولة مستقلة بين قوسي احتلالها. تلك هي صورة سوريا في المستقبل.
 

أما كان الإصلاح الدستوري ممكنا في سوريا من غير الحاجة إلى حرب ثمان سنوات مدمرة؟

يوم بدأت الاحتجاجات الشعبية في سوريا كانت المطالب واضحة ولم تكن تعجيزية، وكلها تتعلق بإلغاء أو تطوير فقرات ليست أساسية في الدستور.

كان من المتوقع أن تتم الاستجابة التدريجية والبطيئة لتلك المطالب.

فبالرغم من شمولية النظام الحاكم واحتكار الحياة السياسية من قبل حزب البعث، فقد كان في إمكان أجهزة الأمن السورية أن تتعرف وبشكل مسبق على حقيقة أن النزعة للتغيير من داخل النظام لم تعد تقتصر على نخب سياسية وثقافية قليلة العدد وضعيفة التأثير، بل تحولت تلك النزعة إلى أسلوب تفكير بالنسبة لعامة الشعب.

وهو ما اكتشفته شخصيا أثناء زيارتين قمت بهما لدمشق. الأولى عام 2010، والثانية تزامنت مع بدء الاحتجاجات السلمية.

لذلك كان يسيرا على النظام أن يدرك أن عناده القديم سيصطدم هذه المرة بصخرة لا يمكن تفتيتها. لا من خلال سخرية الرئيس بشار الأسد من الشعب الذي “لم يستوعب التحولات الديمقراطية التي شهدتها سوريا” في ظل حكمه، ولا من خلال الحلول الأمنية التي هي حلول قديمة، التي لم تعد تخيف أحدا في مقابل الشعور المتنامي لدى الشعب بالحيف والإهانة والاستصغار والتردي المستمر في كل مستويات الحياة، بما فيها تلك التي تتعلق بنظرة السوري إلى نفسه. غير أن الحقيقة كانت آخر ما يبحث عنه النظام.

لذلك لجأ النظام إلى عسكرة الأزمة، وهو ما أدى إلى اتساع دائرة الاحتجاجات وتطور النزاع إلى حرب أهلية، صارت سوريا بعدها ملعبا للجماعات الإرهابية المسلحة القادمة من مختلف أنحاء العالم والممولة والمدعومة من قبل دول وأجهزة مخابرات عالمية.

اليوم بعد كل ما شهدته سوريا من كوارث تبدو فكرة العودة إلى الإصلاح الدستوري مقبولة من قبل النظام والمعارضة. روسيا التي صارت شريكا في الجريمة تحث الطرفين، النظام والمعارضة، على أن يخوضا مفاوضات في جنيف من أجل الاتفاق على نقاط الإصلاح الدستوري.

تاريخيا فإن تلك الملهاة تعد نوعا من الضحك على الذات.

ما لا يمكن استيعابه أن تراهن المعارضة على إصلاحات دستورية لكي تتمكن سوريا من إقامة نظام سياسي، يتمكن من خلال ديمقراطيته من إعادة إعمار سوريا. في المقابل فإن النظام يضلل نفسه حين يوهمها بأن الإصلاحات الديمقراطية ستكون مجرد واجهات شكلية لاستمراره.

قد يلتقي الطرفان عند الحدود التي كان من الممكن أن يصل إليها النظام عام 2011 لو أنه استجاب للمطالب الشعبية. وهنا يبدو المسعى كله عبثيا. فسوريا ليست في حاجة إلى إصلاحات دستورية. سوريا ليست في حاجة إلى دستور جديد.

الحديث عن دستور جديد هو نوع من الترف الروسي.

الحرب السورية كانت بمثابة فرصة عظيمة بالنسبة لروسيا لكي تجد لها موضع قدم في الشرق الأوسط. وهو ما كان يناسب إسرائيل التي ترغب في التنويع بين الأصدقاء. سوريا الروسية هي واحدة من أهم هبات القدر لإسرائيل.

لذلك فإن روسيا بعد أن تمكنت من السيطرة في سوريا صارت تبحث عن الأساليب المريحة التي تجعل السوريين لاهين عن وجودها.

لو أن المعارضة السورية كانت على يقين من قوة تمثيلها في الداخل لرفضت الانجرار وراء “كذبة” الإصلاحات الدستورية.

غير أنها هي الأخرى تبحث عن حصتها في النظام الجديد الذي صارت روسيا تعدُ بقيامه. وهو وعد قد لا يصل إلى باب قاعة المؤتمرات بجنيف.

تعرف روسيا أن المعارضة ضعيفة مثل النظام تماما. وهي من خلالهما تجد معنى لاستمرارها في الإبقاء على سوريا دولة مستقلة بين قوسي احتلالها. تلك هي صورة سوريا في المستقبل.