برزت أمس زيارة رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية الى بكركي ومشاركته في جانب من اجتماع مجلس المطارنة الموارنة الذي ترأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، خصوصاً بعد أيام على حادثة عاليه أخيراً. وكأنّ فرنجية من بكركي، المرجعية المارونية الأعلى، يقول للمسيحيين والطوائف الأخرى: أنا موجود ونموذج رئاسي آخر، وأحمل خطاباً مختلفاً عن خطاب الوزير جبران باسيل «الإحتكاري والمُستفِز».
 

عرضَ فرنجية في بكركي أمس: «هواجس التوطين، الوجود السوري، التهميش، عدة هواجس منها صحيحة ومنها غير صحيحة، ومنها ما يُعالج ومنها ما لا يُعالج، وقضية الارض والتملّك»، بحسب ما أعلن بعد الزيارة. وقال: «كان هناك توافق تام على أنّ الامور يجب أن تعالج بالتفاهم والحوار والمنطق وليس بالاستفزاز والتحدي، لأنّ المرحلة المقبلة مرحلة تفاهمات في لبنان والمنطقة. لذلك، يجب أن نكون كمسيحيين جاهزين للتفاهمات التي ستحصل في المنطقة لكي لا يحصل لنا كما حصل في الطائف».

وفي حين برزت تساؤلات عدة عن توقيت هذه الزيارة، أوضحت مصادر تيار «المرده» لـ«الجمهورية» أنّ «فرنجية مؤمن بالدور الذي يمكن أن تؤديه بكركي، خصوصاً في ظل هذه الأجواء، وأنّ زيارته للصرح البطريركي أمس غير مرتبطة مباشرة بالأحداث الأخيرة التي وقعت في الجبل، بل كانت مقرّرة سلفاً». وقالت إنّ «زيارة فرنجية لبكركي تأتي إيماناً منه بهذه المرجعية، وبأنّ الحوار تحت سقفها وتوجيهاتها هو الحل الأفضل، خصوصاً أنّها تمارس دوراً وطنياً مميّزاً ومسؤولاً وحكيماً». ولفتت إلى أنّ «فرنجية يتمتّع بأذن صاغية لكلام بكركي وتوجيهاتها وهواجسها».

وأشارت هذه المصادر إلى أنّ فرنجية شدّد في بكركي أمس على الأمن السياسي، فهو يعتبر «أننا إذا مارسنا السياسة بإيجابية فهذا ما يوفّر الأمن. وفي السياسة يمكننا حلّ كل المشكلات، أمّا بالاستفزاز لا يمكن أن نحصل على حقوقنا». ولفتت الى أنّ «المطارنة تفهّموا حديث فرنجية الذي طابَق كلام الراعي الذي صدر عنه في بيان منذ يومين».

ونَفت المصادر وضع الزيارة في إطار المنافسة مع باسيل على رئاسة الجمهورية وتقديم نموذج مختلف عنه، معتبرة أنّ «هذا الموضوع سابق لأوانه وأنّ شخصية الرئيس تحدّدها الظروف لحظة الاستحقاق». وأكدت أنّ فرنجية «يقارب ملفات أساسية تُعنى بمستقبل لبنان ولا يخوض معركة رئاسية».

وإذ شدّدت على أنّ «هذه المعركة مُبكرة»، اعتبرت «أنها تقتضي شرعية تمثيل مسيحية وهي متوافرة في الأقطاب الأربعة الذين اجتمعوا سابقاً في بكركي، كذلك تقتضي أن يتمتّع المرشح ببُعدٍ وطني وأن يكون مصدر طمأنينة للأطراف الأخرى في لبنان».

ورفضت ما يُقال عن انّ فرنجية يسعى لإثبات أنه يتمتع بهذه الصفات، إذ إنها تنطبق عليه فعلاً، «وهو لم يشن يوماً حروباً إلغائية على الأطراف المسيحية الأخرى».

بعد اتهام باسيل باعتماده «خطاباً استفزازياً شعبوياً لشَد العصب المسيحي»، يرى البعض أنّ فرنجية يُحاول أن يُظهر أنه «البديل الأنسَب». وبعيداً من هذه التحليلات وبمعزل عن المعركة الرئاسية، لا شك في أنّ فرنجية يعارض مسار باسيل السياسي. فبالنسبة إلى تيار «المرده» هناك «مسار سياسي معيّن من كلام طائفي وغرائزي غير صحي بالنسبة الى المسيحيين، فالموضوع المسيحي يُعالج من زاوية وطنية فإذا كانت هناك مشكلة فإنها تُعالج بالحوار والانفتاح على الآخر وبالكلام الموضوعي وليس بالكلام الغرائزي العشائري العبثي والتجييشي. وبما أننا في حكومة وحدة وطنية وفي حال وحدة وطنية وفي زمن تسوية، فالحوار هو الذي يوصِل إلى نتيجة، أما اتخاذ منحى آخر فلا يحقّق الأهداف المرجوّة للبنانيين أو المسيحيين، بل يوصِل صاحبه إلى الهدف الذي يريده».

وفي هذا الإطار، يعتبر تيار «المرده» أنّ «من يخوض معركة كبيرة مع بقية الطوائف لاستعادة حقوق المسيحيين أو لمكاسب مسيحية، إلّا أنّه في الوقت نفسه يشنّ حرباً على بقية الأطراف السياسية المسيحية من دون استثناء، يُعتبر تصرّفه متناقضاً ويحتاج الى تبرير. فمن تهمّه مصلحة المسيحيين يبني علاقة وثيقة مع بقية الأطراف المسيحية ولا يخاصم من يخالفه وجهة النظر، ولا يسعى إلى احتكار التعيينات الإدارية المسيحية». وتقول مصادر «المرده»: «إذا كانت حقوق المسيحيين تهمّهم فعلاً فليطالبوا باعتماد الكفاءة في التعيينات».

ويرفض «المرده» بنحوٍ تام «استغلال شعار مطالب المسيحيين والشراكة لتأمين مطالب خاصة، فلا يوجد فريق يختصر المسيحيين ومطالبهم».

ما يتحدّث عنه «المرده» يُسمع على لسان مسؤولين في حزبي «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية»، وكذلك شخصيات مسيحية مستقلة، فهل يُمكن عقد لقاء جامع لكل الأطراف المسيحية لمواجهة ما يُعتبر احتكاراً من باسيل؟ تجيب مصادر «المرده»: «لا يوجد لقاء من هذا النوع حالياً»، مشيرة إلى أنّ فرنجية يعتبر «أننا يمكننا التفاعل مع أي فريق لبناني حتى لو كان هناك خلاف في النظرة الإستراتيجية».

أمّا على صعيد بكركي، فترى المرجعية المسيحية المارونية أنّ زيارة فرنجية تأتي في سياق طبيعي كونه أبدى رغبته في لقاء مجلس المطارنة الموارنة للنقاش في مواضيع الساعة وتبادل الآراء.

وفي حين يرى البعض أنّ فرنجية بعث برسائل مختلفة من بكركي أمس، منها الى الساحة المسيحية ومنها إلى الساحات الطائفية الأخرى، ترفض بكركي هذا الكلام، وتقول مصادرها لـ»الجمهورية» إنّ «بكركي لا تقبل أن تكون منبراً لأحد للمزايدة أو توجيه رسائل أو سهام إلى أطراف أخرى، أو للإدلاء بما يهزّ الاستقرار الوطني والسياسي».

وتؤكّد أنّ «زيارة فرنجية طبيعية، كما كل الزيارات الأخرى التي لن تتوقف. فأبواب بكركي مفتوحة للجميع، وأيّ زعيم سياسي يعبّر عن رغبته في زيارة الصرح البطريركي مُرحّب به وبكل اللبنانيين، مسيحيين وغير مسيحيين».

فهل هناك اجتماع قريب للقادة الموارنة في بكركي، في ظل الأوضاع المتشنجة داخلياً وإقليمياً، والتي يعتبر البعض أنها تتطلب رصّ الصف المسيحي لمواجهتها؟»، تجيب المصادر: «لا لقاء على النار، لكن ما من مانع يحول دون انعقاده».