بفارغ الصبر كان ينتظر المشايخ عقد اجتماع المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز نظراً إلى حال الغليان في ما بينهم، بعد حادثة قبرشمون، رغم تواصلهم منذ اللحظة الأولى في كواليسهم وضمن مجموعاتهم الخاصة عبر الواتس آب وتأكيدهم «القصة بتنتهي عند هالحَد مش لازم تكبَر»، «الجبل مش ناقصو هزّات»، في مُحاولة منهم لامتصاص أي ردة فعل استباقية لدى الاهالي. ولكن في قرارة أنفسهم «لا مش ماشي الحال» رَدّدوها مراراً، فكان اجتماع «الطوارئ» أمس في دار الطائفة في فردان الذي كان أقرب إلى جلسة مصارحة وتبادل هواجس ورسم خطة للأيام المقبلة.
 

تُشبه الأجواء التي سادت اجتماع المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بعد ظهر أمس، عبوة المياه التي وضعت على الطاولة قبالة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، والتي كانت تتصَبّب عرقاً، هكذا كانت نفوس المجتمعين تتصبّب عرقاً غير ناتج عن برودة إنما عن حماوة وتوقاً للتعبير عمّا في داخلهم من نقمة ممزوجة بالتساؤلات. 

لم يقتصر اجتماع المجلس المذهبي على الهيئة العامة للمجلس والتي تضمّ النواب الدروز الحاليين والسابقين، والوزراء الدروز الحاليين، ومشايخ الهيئة الدينية وقضاة المذهب، والاعضاء المنتخبين، إنما شملت الدعوة عدداً من مشايخ المناطق لضمان أوسع تمثيل ولمخاطبة أوسع شريحة، فتجاوَز عدد الحاضرين أمس الـ100. 

في الكواليس
منذ الصباح بَدا دار الطائفة الدرزية أقرب إلى خلية أزمة من خلية نحل، إستعداداً للاجتماع الذي انطلق عند الثالثة بعد الظهر برئاسة شيخ عقل الطائفة الشيخ نعيم حسن، وفي حضور رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط. 

بداية، كانت كلمة تمهيدية للشيخ نعيم حسن، ثم ألقى جنبلاط كلمة استعرض فيها الواقع، مؤكّداً على لاءَين: «لا فوضى، لا استفزاز، ولكن نريد القضاء ان يأخذ مجراه». وسرعان ما تحوّل البيك طوال النقاش المفتوح في الاجتماع إلى مُصغ ومتابع لأدق تفاصيل مداخلات المشاركين فيه، مرة يحاول امتصاص نقمتهم، ومراراً يحاول تصويب البوصلة لتجاوز المرحلة بأقل تداعيات ممكنة. في هذا السياق، يوضح مصدر خاص لـ«الجمهورية» ومواكب للاجتماع، كواليس ما حصل قائلاً: «تركّز النقاش في المرحلة الاولى على الحديث الاستفزازي المتراكم في الفترة الاخيرة والذي ولّد الشَحن وردة فعل عكسية عند الاهالي في الجبل». ويتابع: «إستحوذ النقاش على شقّين أساسيين، أكدنا رفضنا لأي فتنة درزية درزية أو المَس بالمصالحة، واعتبرنا انّ اي انقسام درزي درزي سيؤدي إلى انقسام في البلد. وأعرَبنا عن رفضنا المطلق لخطاب باسيل الاستفزازي والمثير للنعرات، كتذكيره بمحطات سابقة من الحرب». 

وتوقف المصدر عند خصوصية الجبل، موضحاً: «الجبل دقيق له خصوصية، ولكن ليس بالمعنى الذي يروّج له البعض، فنحن لا نعيش في محميّة أو كانتون، لنا خصوصية وهواجس مثل المسيحيين الذين يحمون وجودهم بالمناصفة. ونحن لا نملك إلّا منطقة الجبل التي تمثّل لنا الكيان، مع التأكيد انّ انتماءنا إلى الوطن هو الاهم». ويضيف: «للمسيحيين هواجس وقد أُعطوا رئاسة الجمهورية، والمناصفة رغم ان العدد مختلف، فهذا حق لهم كي يطمئنوا، وهذا ينبع من صميم دورهم التاريخي التراثي. ونحن أبناء الجبل لا خصوصية لنا ولا حق؟ أين الصوت الدرزي في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع؟ أين الميثاقية؟ مِن هنا نعتبر انّ الخصوصية تشمل الاحترام النفسي والمعنوي والتاريخي للجماعة».

 
 

وشهد النقاش تعدداً في وجهات نظر المجتمعين وتضارباً، إلا انهم التقوا في تحديد الخطوط الحمر، فيقول المصدر: «أبرز التأكيدات انّ المصالحة خط أحمر، «ما في خلاف درزي مسيحي»، سيبقى الجبل نموذجاً للتلاقي. وأبعد من ذلك، حذّرنا من اللعب على التفرقة والانقسام ضمن طائفة الموحدين الدروز، والتي ستؤدي الى انقسام داخل الوطن، لذا لا بد من رأب الصدع بسرعة». 

هواجس جنبلاط 
حيال تساؤلات ومداخلات الحاضرين لاسيما المشايخ، عمّا عبّر جنبلاط للحاضرين؟ يجيب المصدر: «حتماً توقّف عند هواجسه وأنه يشعر بسياسة تطويق ومحاصَرة له، ولكن في الوقت عينه شَدّد على أهمية الحوار وانفتاحه على النقاش منعاً لأيّ فتنة محلية، لأنّ همه الاساسي ألّا يتعرقل البلد».

امّا عن الرسالة التي حمّلها المجتمعون للبيك قبل ساعات من انعقاد اللقاء الثلاثي في عين التينة، فيجيب المصدر: «لا شك اننا مع التهدئة ولكن لا يظنّن أحد أنّ بوسعه اللعب على خلاف ضمن طائفة الموحدين الدروز أو الرهان على التوازن الموجود في الجبل». ويضيف: «حمّلناه رسالة أساسية، لا نريد فتنة درزية درزية نتيجة خلافات سياسية مستوردة إلى داخل الطائفة، إنّ المشايخ حريصون «لن نقبل فيها».

ماذا بعد الاجتماع؟ 
إنتهى الاجتماع إلّا انّ محركات المجتمعين لن تنطفئ، فيوضح المصدر: «تشكّلت لجنة مكوّنة من رجال الدين ستقوم بجولة على القيادات والمرجعيات المعنية داخل الطائفة وخارجها». ويضيف: «قريباً سيكون هناك جولة على المرجعيات الروحية والاجتماعية داخل الطائفة، في محاولة لتوضيح الامور والعمل على التهدئة. ولجنة التواصل هذه ستتحرك باتجاه المرجعيات المعنية خارج الطائفة، تحديداً باتجاه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، سنؤكّد تمسّكنا بالمصالحة، والدعوة إلى التهدئة وتغليب لغة العقل، لأننا نرفض أي فكرة سيئة عن الدروز لأننا نحترم الدولة والنظام». 

«يطَوِّل بالو»...
وبعد الاجتماع، أكّد جنبلاط أمام وسائل الإعلام أنه «من الواجب الهدوء والانفتاح والتأكيد على الحوار لتثبيت الامن والمصالحة». وقال: «نحيّي الجيش ونحن تحت سقف القانون والعدالة». ورأى أنّ «طريقة ملاحقة المطلوبين قد تكون غير لائقة في مجتمعنا»، ورفض «الخطاب الاستفزازي وكلام وزير الدفاع الياس بو صعب الاستباقي للقضاء». وسأل: «كيف عَلم باسيل بوجود كمين؟ فاستبقَ القضاء كما حصل في قضية زياد عيتاني». وسأل: لماذا العودة الى نبش القبور والكحالة وسوق الغرب؟ قائلاً «يطَوِّل بالو باسيل... بدّو يوصَل بس مش بهالطريقة؟ لماذا هذا الخطاب الاستفزازي والعراضات والمواكب؟!». وطلب جنبلاط «من رئيس الجمهورية وَضع حد للتصرفات الصبيانة».

لقاء ابراهيم
ومساء، إستقبل جنبلاط في دارته في كليمنصو، مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم. وبعد اللقاء قال جنبلاط: «أنا منفتح على كل الحلول بالتعاون مع اللواء عباس ابراهيم الذي يُدرك كل مخاطر الأزمة، وهو خير من يستطيع أن يُخرج الامور من هذا المأزق وعلى أساس أن يأخذ القانون مجراه». من جهته، أكد اللواء ابراهيم أنّ «جنبلاط منفتح على كل الحلول، وعليكم ان تفهموا من كلامه ما يقصد».