أحداث الجبل أبعد من النزاع الدرزي الدرزي!
 
من البديهي أنّ الجبل بعد حادثة قبرشمون يختلف عمّا كان قبلها. فمناخ الطمأنينة اهتزّ  صحيح أنّ الحادثة وقعت بين دروز بالشكل، لكنّ الاحتقان الحقيقي ليس درزياً ، بل هو أيضاً جنبلاطي  عوني، وخطورته أنه اتخذ في شكل غير مباشر طابعاً طائفياً، وبالطبع من دون نسيان العامل الاقليمي ايضاً.
 
اكيد في الشوف وعاليه، لا يمثّل التيار الوطني الحر غالبية مسيحية. ففيهما ثقل لـ القوات والكتائب ومستقلين. لكنّ التيار أكبر زعامة مسيحية، وهو الركيزة الزعامتية لموقع رئاسة الجمهورية الماروني. وليس سهلاً فكّ ارتباط التيار بالمسيحيين. لذلك، في الساعات الأخيرة، كان الهدف الأساسي إعادة تطبيع المزاجين الدرزي والمسيحي في الجبل، وعزل التأثيرات التي خلّفتها أحداث الأحد.
وهنا يبدو حيوياً التحذير الذي يتردّد في بعض أوساط 14 آذار المسيحية عن وجود محاولة لضرب التوافق المسيحي الدرزي في الجبل، إستباقاً للتحولات الكبرى التي ستشهدها المنطقة في المراحل المقبلة، والتي يتحتّم فيها أن يكون الجبل متماسكاً، في اعتباره قلب لبنان التاريخي. فأيّ تصادم مسيحي درزي في الجبل سيكون مؤذياً للطرفين.
طبعاً، باسيل يرفض تماماً أي كلام عن استفزاز، ويسأل: أين الاستفزاز إذا قام وزير بزيارة بلدة في الجبل؟ وأين المَسّ بالموقع الدرزي إذا كانت الزيارة تشمل مرجعية روحية للطائفة، وفي حضور وزراء ونواب دروز؟
 
بعض الاوساط تقول: ليست الزيارة وحدها استفزازية، بل مضامين الكلام الذي يقوله باسيل. فهل كان مضطراً في الكحالة إلى استعادة مناخات الحرب؟ وهل كان مضطراً في دير القمر، قبل فترة، إلى التذكير بفتنة 1860؟ أليست هذه المواقف استفزازية في بيئة معينة؟
ووفقاً لهذه الأوساط، إنّ ما يجري في الشوف من محاولات لإضعاف جنبلاط داخل الطائفة أو لخلق نفور درزي مسيحي يُراد منه إضعاف الجبل ككل.
 
 
بالنسبة إلى جنبلاط، الصورة واضحة: يريدون معاقبتنا لعدائنا مع الأسد. ووصلتنا رسائلهم الساخنة من الشويفات إلى الجاهلية إلى قبرشمون، ومحاولات التطويق والعزل في الحكومة والمؤسسات. وهناك خطة للتخلّص من المختارة والاستيلاء على دورها التاريخي في صناعة القرار. والتباهي بأنّ جنبلاط خسر موقعه كـ بيضة قبّان ينطوي على إشارة خبيثة إلى خسارة دور الطائفة عموماً.
 
لكن ما يقال في كواليس الحزب التقدمي الاشتراكي هو أنّ القوى التي تستفزّ المختارة تتناغم في خدمة محور إقليمي واحد يمتدّ من دمشق إلى طهران. وتالياً، إنّ معركتنا الحقيقية ليست مع الواجهات، بل مع المحور.
 
 وهذا الكلام فيه الكثير من المغازي ويحمل أبعاداً كثيرة.
لذلك، وتجنباً للأسوأ، تلقّت مرجعيات مسيحية في الساعات الأخيرة دعوات إلى دخول الساحة وتبريد الرؤوس الحامية والمناخ المسيحي  الدرزي. والمعني بالدعوات خصوصاً بكركي والقوات اللبنانية ومعهما حزب الكتائب الذي كان رئيسه سامي الجميّل قد زار المختارة قبل أيام.
 
الواضح انّ جنبلاط أوصل الرسالة الاولى، من خلال منع باسيل من زيارة كفرمتى، وهو الآن ينتظر ويراقب ما سيقوم به حزب الله، فبعد زيارة قماطي لخلدة بدا واضحاً أنّ الحزب منخرط في متابعة تطويق جنبلاط، وفي انتظار الخطوة التالية، ستطفئ مولدات الأزمة على مطالبة جنبلاط بتسليم المشاركين في حادثة قبرشمون رئيس التقدمي، هذه المرة، لم يسارع الى احتواء الموقف والتهدئة وبلع الموسى.
 
 تضيف المصادر. بل قرر الوقوف في وجه خصومه، بعد ان بات واضحا له ان ثمة مخططات حقيقية، رُسمت خارج الحدود لكسره في الجبل. صحيح أنه أكد احترامه القضاء والاجهزة الامنية والعسكرية، الا انه أصرّ على عدم تجزئة العدالة، وقد بدا في موقفه هذا يقول ان ما تطلبونه مني يجب ان يسري ايضا على القوى الاخرى، ويرسم معادلة جديدة لا يمكن بعد اليوم فرض القانون على جهة واحدة في الجبل. هذا الحسم لجأ اليه جنبلاط، وفق المصادر، لأنه رأى ان عملية تطويقه آخذة في التوسع. هو حاول في الماضي التصدي لها، باتصالات سياسية تنسج له شبكة أمان. 
 
لكن تبين له ان معظم القوى السياسية الكبرى، لا تبدو داعمة له في معركته، بل على العكس. وقد لمس ذلك، في قانون الانتخاب الذي ساهم في إضعافه في شارعه، مرورا بعملية تأليف الحكومة وتوازناتها، وصولا الى ملف كسارات آل فتوش، فملف التعيينات الادارية التي يستعد مجلس الوزراء لدرسها، والتي يبدو سيؤول جزء من الحصة الدرزية فيها، الى خصومه وفي ظل هذا الواقع الذي قررت المختارة اليوم العمل على تبديله، عبر سلاح لتصعيد والمواجهة، لعلّه يكون أكثر نفعا من المهادنة والمسايرة فهل يقف حلفاءُ الرجل الى جانبه ومعهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، لمنع الاستفراد به؟ وإن وجد نفسه وحيدا، فكيف سيتصرف؟ الاسئلة كثيرة والايام المقبلة ستحمل الاجوبة المطلوبة. في الخلاصة، يذكِّر بعض المتابعين بأنّ حرب الجبل في 1983 وقعت بتلاقي عنصرين: تَقاطُع مصالح إقليمية على التفجير وتَنازُع مصالح محلية. فمَن يَضْمَن اليوم عدم حصول تَقاطع مصالح إقليمية في لحظة معينة على الخربطة، فيما القوى المحلية غارقة في نزاعاتها، وسط ملامح انهيار؟