الرباط تعيد إحياء اتفاق الصخيرات بين الفرقاء الليبيين بعد تعديله.
 
دخل المغرب على خط الأزمة الليبية لضخ دماء في العملية السياسية المتجمدة، وتجنب التصعيد العسكري الذي لم يفض إلى الآن إلى تغيير التوازنات على الأرض، فضلا عن فتح أبواب البلاد للتدخلات الخارجية، وهو ما كشف عنه التدخل التركي في الأسابيع الأخيرة.
 
وربطت مصادر مصرية مطّلعة زيارة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة إلى القاهرة، الاثنين، بمساعي الرباط لتحريك العملية السياسية في ليبيا، خاصة أن المغرب سبق أن احتضن اتفاق الصخيرات التاريخي، وإن كان هذا الاتفاق يحتاج إلى تطوير ليستجيب إلى تطورات الملف الليبي.
 
وكان بوريطة سلم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رسالة من العاهل المغربي الملك محمد السادس، خلال مباحثات أجراها مع سامح شكري وزير خارجية مصر.
 
وأشار بيان للخارجية المصرية، صدر في ختام الزيارة، إلى أن اللقاء تناول الدفع بالحلول السياسية التي من شأنها تحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة وسيادة الدول العربية، واستمرار التشاور خلال الفترة المقبلة.
 
وتراهن الرباط في مبادرتها لإحياء العملية السياسية على إشراك مصر بوصفها طرفا فاعلا وعارفا بتفاصيل الملف الليبي، ولديه قنوات اتصال مع مختلف الفرقاء السياسيين والاجتماعيين، وتحظى بثقة واسعة بينهم.
 
وأرجعت المصادر في تصريحات لـ”العرب” عدم التوقف عند الملف الليبي في البيان الرسمي، إلى ما يمكن وصفه “بالحاجة لتهيئة كبيرة للأجواء السياسية، في ظل فشل المبادرات التي أطلقت من دول كبرى، وتنصل بعض الأطراف من التجاوب معها”.
 
وأكدت أن هناك تفكيرا مبدئيا في جرعة سياسية لتحاشي العيوب التي لحقت باتفاق الصخيرات منذ توقيعه في ديسمبر 2015، وحالت دون تنفيذه تماما على الأرض، واجتزاء حكومة الوفاق لبنود فيه دون استكمال بنود أخرى حيوية، تتعلق بالترتيبات الأمنية والعملية الدستورية، ناهيك عن انتهاء مفعوله السياسي دون تمديده بصورة قانونية.
 
ويرى متابعون أن الانسداد الحاصل في الأزمة ستكون له نتائج اقتصادية وأمنية خطيرة على دول المنطقة، ومن الضروري تحريكه بصورة إيجابية من خلال طرف يحظى بتوافق إقليمي ودولي، وتعدّ المملكة المغربية من أكثر الدول التي تحظى بدعم في هذه القضية ولها علاقات خارجية متوازنة.

ويحتاج أي مسار سياسي إلى غطاء من قبل البعثة الأممية في ليبيا، التي تحتاج إلى إعادة تقويم لأدائها، خاصة ما انطبع في الأذهان من انحياز لرئيس حكومة الوفاق فائز السراج، وربط تحركات المبعوث الأممي غسان سلامة بالأفكار التي عرضها قبل مؤتمر غدامس، والتغاضي عن التغييرات الميدانية، وخاصة على مواقف الدول الكبرى مما يجري في ليبيا.

ولم يعد الخلاف بين فرقاء الأزمة الليبية في حدود خلاف بشأن الانتقال السياسي وتقاسم السلطة، فقد بات صراعا بامتدادات خارجية. وأظهرت دول كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا تفهما واضحا لدور مؤسسة الجيش الليبي في المعركة لكونها تواجه ميليشيات مسلحة لديها ارتباطات وأجندات خارجية، فضلا عن ضلوع قيادات بارزة فيها في عمليات إرهابية.

كما أن بقاءها في العاصمة طرابلس ستكون له تداعيات أمنية خطيرة على دول الجوار، وكذلك على أوروبا التي لم تعد تخفي قلقها من تسلل إرهابيين ضمن جحافل اللاجئين. ولا يخفي رؤساء دول وحكومات أوروبية انتقاداتهم لحكومة الوفاق خاصة بعد فشلها في التعاطي مع موجات الهجرة والفظاعات التي مارستها ميليشيات منضوية داخل حكومة السراج.

وتسعى مصر بالتنسيق مع بعض قوى مختلفة لمنح فرصة للجيش الوطني لتنظيف البلاد من الإرهاب وتقويض دور الكتائب المسلحة والجماعات المتطرفة، وتهيئة المجال لمبادرة سياسية واقعية مستقبلا، تحافظ على منجزات الجيش الليبي وتفتح أفقا للأمن والاستقرار في المنطقة. كما تقطع تلك المبادرة مع التدخلات الخارجية وتمارس ضغوطا على دول مثل تركيا وقطر.

وأجرت القاهرة حوارات مع دول من الاتحاد الأوروبي، كشفت فيها عن مخططات تركيا في ليبيا، وفضحت إصرار أنقرة على دعم الميليشيات وتمويلها بالمعدات والأسلحة، بما يهدد أمن دول جنوب البحر المتوسط.

وحصلت مصر على ما يمكن وصفه بـ”شبكة أمان سياسية غربية” ضد التصرفات التركية، واستقبلت إشارات بالمشاركة في فتح نافذة للتسوية السياسية بالتنسيق مع المغرب ودول أخرى، بالتوازي مع قيام الجيش الليبي بمواصلة الحرب على الميليشيات.

وتوقع المحلل السياسي الليبي عبدالباسط بن هامل، في تصريح لـ”العرب” استمرار توقف العملية السياسية اعتمادا على قدرة الجيش الوطني على حسم العمليات العسكرية.