إننا أمام هذا الواقع المؤلم بحاجة إلى من ينقذ البلاد من هذه الفوضى ومن جنون الطوائف ومن جنون العظمة ومن هؤلاء العفاريت الذين يلعبون بالثوابت والتوازنات وإلا على لبنان السلام.
 

لا تزال الارتدادات البشعة لما حصل خلال الأيام الماضية في الجبل تشغل الرأي العام اللبناني حيث تجددت الإصطفافات السياسية والطائفية بأبشع صورها وكان البلد أمام أحداث خطيرة كشفت هشاشة الواقع اللبناني من جهة وتهور بعض المسؤولين اللبنانيين من جهة ثانية، كما كشفت في جهات كثيرة أزمة المجتمع اللبناني الذي ما زال معتقده السياسي والطائفي فوق الوطن وعلى حساب أمن الوطن والمواطنين.

اشتعل الجبل وبعض الطرقات والمناطق في بيروت باحتجاجات لم تكن في مصلحة أحد وكان الخاسر الأكبر فيها هو الوطن والسلم الأهلي والعيش المشترك، تلك المصطلحات التي دفع اللبنانيون ثمنها من دمهم وأرواحهم خلال ثلاثين عامًا من الحرب الأهلية.

إقرأ أيضًا: ضد الموازنة وتشريعاتها في الهدر والسرقة

لقد كنا أمام مشاهد غير مسبوقة ومرعبة، وكشفت هذه المشاهد أن اللبناني لا يزال أسير الحرب والذاكرة، وأسير اصطفافات لم تأت على لبنان سوى بالموت والدمار، وهو استعاد للحظات بل لساعات مشهدًا من مشاهد الحرب الأهلية التي كنا نظن أننا خرجنا منها إلى غير رجعة.

إن الإرتهان المستميت للطائفة أو للزعيم أو للحزب على حساب الأمن والسلام والرخاء بات أمرًا خطيرًا للغاية لا سيما مع العقلية التي تتحكم بهؤلاء الناس، عقلية الاستقواء بالطائفة التي يكرسها الزعيم، وعقلية الإمتيازات التي يسعى إليها بعض الطارئين على السياسية بعيدا عن التوازنات التي أرساها اتفاق الطائف وأقام المصالحة على أساسها.

لعل المسؤوليات غير محددة بعد وقد صارت الأمور إلى القضاء إلّا أن ما حصل كشف البلد كله بشعبه ومسؤوليه وزعمائه، كشف كيف يكون الشعب ضحية الاستهتار واللامبالاة، كشف كيف يفقتد الزعيم للمسؤولية الوطنية، وكشف كذبة العيش المشترك التي ينادي بها بعض المسؤولين في وقت يصبح البلد كله ألعوبة بأيديهم بخلفيات طائفية بإمتياز.

إقرأ أيضًا: أزمة النازحين السوريين وضرورة الحلول العاجلة!!

كشف زيف الإدعاءات، وكشف المزيد من الكذب السياسي وكيف يصبح الوطن كله في لحظة واحدة ساحة حرب وساحة مناوشات صبيانية كانت ضريتها الدم.

إننا أمام فشل ذريع لهذا العهد وأدواته، وأمام فشل التحالفات والتي كانت قائمة بالأساس على المصالح بعيدًا عن الأولويات الوطنية حيث كان البلد كله على كفوف العفاريت عفاريت الطوائف والسياسة والكانتونات وبدأت فيما بعد تجارة الدم وكان الضحايا لقمة سائغة للإستغلال والاستهلاك إلى أقصى الحدود.

إننا أمام هذا الواقع المؤلم بحاجة إلى من ينقذ البلاد من هذه الفوضى ومن جنون الطوائف ومن جنون العظمة ومن هؤلاء العفاريت الذين يلعبون بالثوابت والتوازنات وإلّا على لبنان السلام.