الحركة الإسلامية تقفز على القوانين لمعالجة فراغ المحكمة الدستورية في البلاد.
 
تحاول حركة النهضة الإسلامية استغلال الجدل القانوني والدستوري الذي رافق مرض الرئيس الباجي قائد السبسي وغياب الرئيس نفسه لإجراء تعديلات قانونية تقول إنها تهدف إلى معالجة فراغ المحكمة الدستورية وهو ما قوبل باتهامها بالسعي لإرساء محكمة دستورية على مقاسها.
 
وطرح تعطل مسار المحكمة الدستورية بقوة عقب الوعكة الصحية التي ألمّت بالرئيس قائد السبسي في الأسبوع الماضي، باعتبارها الجهة الدستورية الحاسمة في مسألة سد الشغور في منصب رئيس الجمهورية.
 
وينص الدستور التونسي على إرساء المحكمة بعد سنة واحدة من الانتخابات التشريعية بعد أن ينتخب البرلمان 4 أعضاء لتركيبتها ثم يقوم كل من المجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية بتعيين 4 أعضاء بدورهما، وذلك اعتبارا على أنها تتكون من 12 عضوا. لكن خلافات سياسية حالت دون توصل البرلمان إلى توافق بشأن الأعضاء الذين سيعينهم.
وتتهم الأحزاب السياسية وفي مقدمتها حركة النهضة بعرقلة مسار إرساء المحكمة طيلة السنوات الماضية. وقال المحلل السياسي عادل لطيفي “النهضة لم ترغب في حسم المسألة داخل البرلمان حيث يتغيب نوابها بشكل مكثف على غير العادة. وهي بالخصوص لم تكن ترغب في أن يعين البرلمان الشخصيات الأربع كي تغلق الباب في وجه رئاسة الجمهورية لتعيين الأسماء الأربعة المتبقية… وربما كانت تفضل انتظار رئيس جديد قد تحصل معه تفاهمات”.
 
وأضاف لطيفي في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك “لكن موقف النهضة هذا غير مرتبط فقط بتكتيكات سياسية ظرفية بل هو مرتبط برؤية الدولة في فكر الإخوان والإسلام السياسي. مؤسسات الدولة مجرد وسيلة والمهم أولا هو تعيين من يعمل لصالحها، وفي أدنى الحالات شخص لا يضرّ بها… أي في النهاية شخصية غير نزيهة حتى ولو كانت كفؤة”.
 
ودعت الحركة في بيان صباح الاثنين، إلى تعديل قانون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، بحيث تتولى مهام المحكمة الدستورية.
 
وفسرت حركة النهضة دعوتها إلى تعديل قانون “الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين” بـ”الجدل الذي أثاره تأخر تركيز (إنشاء) المحكمة الدستورية والفراغ المؤسسي المترتب عنه في خصوص بعض الصلاحيات الممنوحة لها وتحديدا إقرار الشغور الوقتي أو الدائم في رئاسة الجمهورية”.
 
وتابع البيان أن حركة النهضة تقترح “تعديل قانون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لتتولى اختصاص المحكمة الدستورية في هذا المجال”.
 
وفهم مقترح الحركة على أنه مناورة جديدة لتعطيل إرساء المحكمة الدستورية وتجريد الرئيس قائد السبسي من صلاحياته في هذا السياق.
 
وقال القيادي في حركة نداء تونس رضا بلحاج “تواصل حركة النهضة من خلال بيانها الصادر اليوم (الاثنين)، المناورة لتجنب تركيز المحكمة الدستورية من خلال اقتراح تغيير صلاحيات الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين التي تنحصر حسب الفصل 148/ الفقرة 7 من الدستور، وإسنادها صلاحيات خصها الدستور صراحة وحصرا للمحكمة الدستورية وذلك لتجاوز الفراغ الذي يحدثه عدم تركيز المحكمة الدستورية وتبرير عدم تأكد تركيزها”.
 
وأضاف “إذن كل تنقيح لقانون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين في هذا الاتجاه هو مخالف للدستور إذ أنه لا يجوز قانونا إسناد صلاحيات مسندة بمقتضى فصول من الدستور من بينها الفصل 84 المتعلق بإقرار الشغور الوقتي والنهائي بمقتضى قانون. وأكد على ذلك الفصل 120 الذي ينص في فقرته الأخيرة على أن المحكمة الدستورية تتولى المهام الأخرى المسندة لها بمقتضى الدستور”.
 
وتابع “الموضوع إذن محسوم ولا بد لحركة النهضة أن تتخلى عن مناوراتها التي تهدف أساسا إلى إضعاف رئيس الدولة من خلال منعه من تعيين أعضاء المحكمة الدستورية الراجعين له بمقتضى الدستور حتى لا نقول إن لحركة النهضة نوايا خفية أخرى”.

وبدوره، قال القاضي السابق بالمحكمة الإدارية أحمد صواب لـ”العرب” إن هذا المقترح مرفوض قانونيا لسببين؛ يتمثل الأول في أن الأحكام المتعلقة بالشغور في منصب الرئاسة ينظمها الدستور وليست القوانين العادية الأخرى وبالتالي فإن تمرير المقترح يتطلب بالضرورة تنقيح الدستور.

وأضاف “أما السبب الثاني فيتمثل في غياب رئيس الجمهورية المكلف بالمصادقة على القوانين قبل صدورها في الرائد الرسمي”. وكانت صفحات إعلامية مقربة من نداء تونس اتهمت حركة النهضة بالسعي إلى محاولة تنصيب عبدالفتاح مورو وهو من أبرز قياداتها رئيسا للبرلمان مستغلة غياب رئيسه محمد الناصر. ويشغل مورو حاليا منصب نائب رئيس البرلمان.

ويحدد الدستور التونسي بالتفصيل طريقة ملء الفراغ السياسي في منصب رئيس الجمهورية؛ ففي حالة الشغور الوقتي للمنصب ووجود ما يحول دون تمكن الرئيس من تفويض صلاحياته، تجتمع المحكمة الدستورية فورا وتقر الشغور الوقتي للمنصب، وحلول رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية. ولا يمكن أن تتجاوز مدة الشغور الوقتي 60 يوما. وإذا تجاوز شغور منصب الرئيس مدة 60 يوما، ويتمثل ذلك في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابيا إلى رئيس المحكمة الدستورية، أو في حالة الوفاة، أو العجز الدائم، أو لأسباب أخرى تجعل شغور المنصب دائما؛ ففي هذه الحالة تقر أولا المحكمة الدستورية الشغور النهائي، ويتولى رئيس مجلس النواب (البرلمان)، وهو في الوقت الراهن محمد الناصر، على الفور منصب رئيس للبلاد بصورة مؤقتة ولمدة لا تزيد عن 90 يوما ولا تقل عن 45 يوما.

وخلال فترة الرئاسة المؤقتة (45 يوما كحد أدنى و90 يوما كحد أقصى) يتم انتخاب رئيس دائم للبلاد.