المبادرة الإثيوبية تحمل حلا بعد قبول قوى الحرية والتغيير بمعظمها.
 
صممت قوى الحرية والتغيير على تسيير تظاهرات، الأحد، أطلقت عليها “مليونية” كدليل على مشاركة أعداد غفيرة من السودانيين فيها ضد سياسات المجلس العسكري الانتقالي، ولم تعبأ بالانتشار الأمني الكثيف في غالبية شوارع الخرطوم من قبل قوات الجيش والشرطة والدعم السريع.
 
وحاول المجلس العسكري بث هواجسه حيال وجود قوى ترغب في وقوع فتنة بين القوات المسلحة والمواطنين في الشارع، في إشارة إلى تربص قطاعات عريضة تابعة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، تبدي رغبتها في عدم الوصول إلى تفاهمات سياسية مستقرة.
 

وحذر الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري، السبت، من وجود أشخاص وسط المتظاهرين لديهم أجندات مدسوسة، متوعدا بعدم السماح بمحاولات “التخريب”، في محاولة لتبرير الكثافة الأمنية والنفي مسبقا لأي اتهام يحمّل قوات الدعم السريع مسؤولية وقوع عنف وسط المتظاهرين.

ودعا المجلس العسكري السوداني إلى إبرام اتفاق “عاجل وشامل” مع قوى الحرية والتغيير.

وقال (حميدتي). “نسعى لاتفاق عاجل وشامل في السودان لا يقصي أي جهة.. نحن حراس للثورة ومحايدون من النزاع حول السلطة ونأمل التوصل إلى اتفاق عادل وشامل يمثل الشعب السوداني”.

وتابع “مسؤوليتنا هي حماية المسيرة المليونية، لكن لا نضمن المندسين”.

وشكلت “مليونية” الأحد، اختبارا للقوة السياسية لمنظمي المسيرات في ظل شكوك حولها، وبعد العملية الأمنية الدامية التي استهدفت ساحة الاعتصام أمام وزارة الدفاع بالخرطوم في 3 يونيو الماضي، وراح ضحيتها العشرات من المواطنين.

ودعا تجمع المهنيين السودانيين، الأربعاء الماضي، إلى تكثيف الدعوات لمواكبة 30 يونيو للمطالبة بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، وتحويل ذكرى مرور ثلاثة عقود على انقلاب الرئيس المعزول عمر حسن البشير 1989 إلى مظاهرات صاخبة ضد المجلس العسكري.

وأشار صديق يوسف القيادي في تحالف الحرية والتغيير، إلى أن الكثافة الأمنية في الخرطوم مبالغ فيها، بغرض تخويف المواطنين من مغبة الخروج في التظاهرة المليونية، التي ستكون لها تداعيات سياسية مهمة، لأنها حرصت على التعبير عن موقفها بصورة سلمية وحضارية ما يضاعف حظوظ المعارضة.

ولفت يوسف في تصريح لـ”العرب” إلى أن التحالف لن يتخلى عن الشارع، وسيواصل الضغوط بكل السبل المشروعة حتى تكتمل مصفوفة الحرية والديمقراطية من دون مراوغات أو طرق التفافية، ويتم تشكيل حكومة مدنية وتحقيق مطالب الثورة العادلة وعدم المساس بأمن البلاد.

وأكد مدني عباس مدني القيادي بـ”قوى إعلان الحرية والتغيير” المعارضة أن القوى لن تتنازل عن مطالبها بغض النظر عن نتائج “المسيرة المليونية” التي دعت، الأحد، إلى تنظيمها.

وكشف متابعون في الخرطوم لـ”العرب” أن ورقة الشارع لم تعد قاصرة على قوى الحرية والتغيير، وبدأ المجلس العسكري يلجأ إلى تفعيلها من خلال المؤتمرات المتعددة، خاصة التي عقدها الفريق أول حميدتي في أماكن متفرقة تحت عنوان الإدارة الأهلية، والإيحاء بأن هناك تفويضا شعبيا مقابلا لدى الجيش يمكّنه من نزع هذه الورقة المؤثرة من المعارضة متى أراد.

وقالت الباحثة السودانية رابعة أبوحنة “هناك حالة تعاطف كبيرة مع شهداء ساحة الاعتصام، ما جعل المتظاهرين يصممون على طرق أبواب أسرهم، كنوع من التضامن الشعبي مع ذويهم، لأنهم ذهبوا ضحية للدفاع عن الحرية والوطن”.

وأضافت أبوحنة في تصريح لـ”العرب” أن نجاح المليونية ووصولها إلى أهدافها من خلال كثافة الأعداد يحرج المجلس العسكري الانتقالي، ويضع الكرة في ملعبه، ويتم الضغط عليه محليا وإقليميا ودوليا كي يستجيب لإجراء تحقيق شفاف حول عملية فض الاعتصام وتشكيل حكومة مدنية وعدم امتلاك أغلبية في المجلس السيادي، وعودة شبكة الإنترنت التي أرق انقطاعها المواطنين.

وذكرت وسائل إعلام محلية، نقلا عن مصدر بالهيئة القومية للاتصالات، أنه ستتم إعادة خدمات الإنترنت الثلاثاء المقبل، مع حجب خدمات مواقع التواصل الاجتماعي.

وبرأي البعض من المراقبين، فإن الفشل النسبي للمليونية والذي جرى الترويج له مبكرا هدف إلى أن الترتيبات الراهنة تميل لصالح المجلس العسكري أمنيا، لكن ليس بالضرورة ترجيحها سياسيا، لأن الأزمة في السودان تجاوزت الأبعاد الداخلية وتحولت إلى أزمة دولية، ويصعب على أي طرف تحمل تبعات التدهور العام، وهو ما فتح الباب لتنشيط الوساطة الإثيوبية.

وطلبت مجموعة الترويكا، وتضم بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج، الأحد، من المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، الانخراط بشكل بناء في المبادرة الإثيوبية-الأفريقية المشتركة لتحقيق انتقال سلمي ديمقراطي.

وأكدت مورغان أورتاغوس الناطقة باسم الخارجية الأميركية، السبت، “أن دول الترويكا تطالب المجلس العسكري بالسماح بالمظاهرات السلمية.. وتتفق مع قوى الحرية والتغيير في تشكيل حكومة انتقالية يقودها مدنيون”.

وأوضح الفريق شمس الدين كباشي الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري، أن المجلس وقوى الحرية والتغيير انخرطا في جلسات تفاوض، السبت، بناء على المبادرة المشتركة، وتمت مناقشة مستويات السلطة (السيادي والتنفيذي)، واتفقا مبدئيا على تكملة الاتفاق مع تعليق الحديث عن مصير المجلس التشريعي إلى ما بعد تشكيل الحكومة والمجلس السيادي.

ويعد هذا أول تواصل جاد بين الجانبين منذ أعلن المجلس العسكري وقف التفاوض مع قوى الحرية والتغيير نهاية مايو الماضي، ويؤكد أن الوساطة الإثيوبية-الأفريقية بدأت تستعيد زخمها بعد أن واجهت تحديات مختلفة كادت توقف مسيرتها.

وناشد السفير محمود درير رئيس وفد الوساطة الإثيوبي، المجتمع الدولي بمضاعفة جهوده لدعم الوساطة حتى يتم التوصل إلى اتفاق، لافتا إلى تقديم مقترح معتدل للمجلس العسكري والحرية والتغيير بعد الاجتماع مع كل جانب بصورة مستفيضة، ويعكفان حاليا على دراسة المبادرة.

ورجح متابعون أن يتم استئناف المفاوضات مباشرة قريبا، لأن المبادرة الإثيوبية تحمل توليفة جيدة للحل، وقبلت معظمها قوى الحرية والتغيير، وبدأ المجلس العسكري يفكر بجدية في التجاوب معها.