الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قطع خط التراجع على نفسه في الملف السوري.
 
باتت الخسائر التي تتلقاها القوات التركية في إدلب عنصرا ضاغطا على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأحد أسباب تراجع شعبيته وشعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو ما تبدى من خلال انتخابات إسطنبول التي كانت استفتاء على فشل سياسات الرئيس التركي في الداخل وكذلك في الخارج.
 
وتتهم أوساط سياسية تركية أردوغان بأنه قطع خط التراجع على نفسه في الملف السوري سواء ما تعلق برعاية جماعات إسلامية متشددة في إدلب ولعب دور الضامن لها، ما وضعه في إحراج مع روسيا صاحبة النفوذ القوي في الملف السوري، أو ما تعلق بمساعي أنقرة لفرض منطقة عازلة على الحدود والاشتباك مع الأكراد الذي تحول إلى اشتباك مع الولايات المتحدة.
 
ويبدو أن التصعيد في إدلب تحول إلى استنزاف طويل المدى لتركيا في ضوء تقارير إخبارية تركية رسمية تتحدث عن سقوط يومي لجنود أتراك بين قتلى وجرحى في عمليات ضد قوى موالية للرئيس السوري بشار الأسد، أو لعناصر محسوبة على المجموعات الكردية المسلحة.
 
ويقول خبراء عسكريون إن تركيا تحولت إلى طرف في الحرب السورية، وهي حرب لا أفق لتوقفها في الوقت الحالي، ما يعني أن القوات التركية سيكون عليها أن تستعد لتقديم ضحايا جدد، وما يتبعه ارتفاع أعدادهم من ضغوط إعلامية وسياسية وشعبية على أردوغان وحزبه.
 
ووصلت الجمعة دفعة جديدة من القوات الخاصة التركية، إلى ولاية “هطاي” المحاذية للحدود مع سوريا، جنوبي البلاد.
 
وأفاد مراسل الأناضول بأن قافلة مدرعات تحمل قوات خاصة (المغاوير) وصلت إلى قضاء قرقخان بولاية هطاي، قادمة من قواعد مختلفة، وسط تدابير أمنية مشدّدة.
 
وذكرت مصادر عسكرية أن القوات الخاصة أُرسلت بهدف تعزيز الوحدات العسكرية المتمركزة على الشريط الحدودي.
 
ويفسر إرسال المزيد من القوات والعتاد إلى الحدود مع سوريا بأن الوضع التركي على الأرض غير مريح، خاصة أن استهداف القوات التركية بات أمرا متواترا، ومن جهات موالية للحكومة السورية في أدلب، وهو ما يعني أن أنقرة صارت طرفا في الحرب بالرغم من محاولاتها للإيهام بأنها ضامن مثلها مثل روسيا وإيران.
 
وبات واضحا أن تركيا منخرطة بشكل مباشر لمنع هزيمة المسلحين التابعين لجماعات إسلامية متشددة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)، وأنها تزودهم بأسلحة متطورة، وبعناصر مدربة من الجيش الحر كانت متمركزة في عفرين ومحيطها، وهو أمر تعرفه سوريا وروسيا، وتتم إدارة الحرب على أساسه.
 

ويعتقد محللون أتراك أن الورطة العسكرية لأردوغان في سوريا هي بمثابة استنزاف بطيء تستطيع روسيا أن تستثمره للضغط عليه ليسحب يده من سوريا.

وقام الجيش التركي الجمعة بقصف مواقع داخل الأراضي السورية، بعد الهجوم الذي طال نقطة تفتيش تركية في إدلب، وأسقط عددا من القتلى والجرحى، بينهم جنود أتراك.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية قصف مواقع النظام السوري التي اعتدت على نقطة مراقبة لها في إدلب أمس، بشكل مؤثر.

وبحسب الأناضول، قالت الوزارة في بيان الجمعة، إن وسائط الإسناد الناري الموجودة في المنطقة، قصفت بشكل مؤثر، مواقع النظام الذي هاجم نقطة المراقبة التركية رقم 10، في منطقة خفض التصعيد، عقب اعتدائه على النقطة.

وأعلنت الوزارة في بيان لها أن جنديا قتل وأصيب ثلاثة آخرون الخميس عندما تعرض موقع مراقبة بمحافظة إدلب السورية لقصف وهجوم بقذائف المورتر، كاشفة عن أن الهجوم شن من أراض تسيطر عليها قوات الحكومة السورية واصفة الهجوم بأنه متعمد.

وتخضع منطقة إدلب لاتفاق روسي-تركي ينصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين قوات النظام والفصائل الجهادية والمقاتلة، لم يتم استكمال تنفيذه.

وتعرضت مواقع مراقبة تركية بالمنطقة لهجمات مشابهة في وقت سابق من يونيو. وعقب الهجوم السابق، رد الجيش التركي بتوجيه ضربات بأسلحة ثقيلة.

ولا تخفي أنقرة قلقها من التعاطي الروسي مع نفوذها على إدلب، وتتهم أنقرة موسكو بأنها منحازة للأسد، وهو ما أشار إليه بشكل واضح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تصريح له حين أكد أن روسيا “لا عذر” لها لعدم وقف الضغط على النظام السوري من أجل وقف ضرباته في شمال غرب سوريا.

وقال جاويش أوغلو في مقابلة تلفزيونية “من هم ضامنو النظام في إدلب وسوريا بشكل عام؟ روسيا وإيران. لا نقبل العذر القائل: لا يمكننا أن نجعل النظام يصغي لنا”. وأضاف “منذ البداية قلنا إننا ضامنو المعارضة. لم تحدث أي مشكلة مع المعارضة المعتدلة”.

ومنذ نهاية أبريل، تستهدف الطائرات الحربية السورية والروسية ريف إدلب الجنوبي ومناطق مجاورة له، ما يسفر بشكل شبه يومي عن سقوط قتلى في صفوف المدنيين، وباتت قرى وبلدات شبه خالية من سكانها بعدما فروا جراء القصف العنيف.

وما يزيد من الإرباك التركي في سوريا، هو صلابة موقف واشنطن الرافض لخطط أنقرة لبناء منطقة عازلة على حدودها مع مناطق نفوذ المجموعات الكردية المدعومة أميركيا. ولم تفلح التصريحات التركية المستفزة والتصعيدية في إثناء واشنطن عن موقفها، ما جعل أنقرة تقبل في الأخير بالأمر الواقع وتسعى لاتفاق يرضي واشنطن أكثر مما يرضيها.