الأحزاب الشيعية تخذل خميس الخنجر بعدم منحه حقيبة وزارية بعد أن استجاب لكل شروطها.
 
تخوض الأحزاب السياسية السنية في العراق صراعا محتدما من أجل الفوز بآخر الحقائب التي ما زالت شاغرة في حكومة عادل عبدالمهدي، بالرغم من مرور شهور على تشكيلها.
 
ووفقا لنظام المحاصصة الحاكم للعمل السياسي في العراق، فإن وزارة التربية، المسؤولة عن تنظيم التعليم الأولي في المدارس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، هي من حصة المكون السني، ما دامت وزارة التعليم العالي من حصة الشيعة.
 
ولا يكفي هذا الإطار العام، لتحديد الجهة التي ترشح وزير التربية، إذ على المكون أن يخوض مفاوضات داخلية، تسفر عن فوز أحد أحزابه السياسية بالمنصب.
 
وتشكل وزارة التربية قيمة سياسية ومادية بالغة الأهمية، إذ تتدخل في عملية إحالة عقود إنشاء المدارس على مقاولي البناء، وتحتكر عملية إبرام عقود تجهيز المدارس بمستلزماتها من الكتب والمواد والأثاث، وتحتكم على الآلاف من الموظفين التابعين لها في مقراتها أو المدارس التي تقع تحت سلطتها، ما يحولها إلى خزان انتخابي يحظى باهتمام بالغ من الأطراف السياسية، فضلا عن أن موظفي هذه الوزارة، هم العصب الرئيسي في عملية الإشراف على العمليات الانتخابية التي تنظم في البلاد، نظرا لأعدادهم الكبيرة، وتوزعهم على مختلف مناطق البلاد.
 
وأسفرت المفاوضات السياسية السنية التي قادت إلى حصول محمد الحلبوسي على منصب رئيس البرلمان، عن وقوع وزارة التربية ضمن حصة المشروع العربي، الذي يرأسه رجل الأعمال السني خميس الخنجر.
 
وعرف الخنجر بمعارضته الشديدة للنظام السياسي الذي نشأ في البلاد بعد العام 2003، واتهم بتغذية التمرد السني المسلح ضد بغداد خلال الأعوام التالية، ما وضعه في خانة الأعداء بالنسبة للطبقة السياسية الشيعية.
 
وارتبط الخنجر بمواقف حادة ضد النفوذ الإيراني في العراق، فيما دافع عن أعمال العنف التي تورطت فيها مجموعات سنية مسلحة، ووصفها بـ”المقاومة”.
 
لكن سلوك الخنجر السياسي، تحول بشكل جذري بعد عمليات القضاء على تنظيم داعش بعد العام 2014، إذ أرسل إشارات عن رغبته بالانخراط في العمل السياسي، والتخلي عن نهج المعارضة.
 
واللافت، أن القوى الشيعية التي تلقفت إشارات الخنجر، كانت قبل أعوام قليلة أشد خصومه، ولم تتورع عن وصفه مرارا بـ”الإرهابي”.
 
وفعلا، عاد الخنجر إلى بغداد، ليجلس إلى جانب الصقور الشيعة، من حلفاء إيران، معلنا انضمامه إلى تحالف البناء، وهو ثاني أكبر الكتل السياسية في البرلمان العراقي.
 
وبدا أن ترتيبات الخنجر السياسية تمضي بهدوء في بغداد، وأنه في طريقه إلى الحصول على إحدى أهم الوزارات في الحكومة العراقية، لكن لحظة التصويت على الدفعة الأولى من الوزراء في حكومة عبدالمهدي، كشفت أن هناك الكثير من الجمر الشيعي المتقد تحت الرماد، ضد زعيم المشروع العربي.
 
وتلقى الخنجر أولى الصفعات، عندما صوت البرلمان على مرشحته لوزارة التربية شيماء الحيالي، لكن أنباء عن علاقة أحد أفراد عائلتها بتنظيم داعش، دفعت مجلس النواب إلى منعها من أداء اليمين الدستورية، وهي الخطوة الأخيرة التي كانت تفصل بينها وبين كرسي وزير التربية.
 
وأصر الخنجر على الدفع بمرشحة أخرى لوزارة التربية، وهي سفانة الطائي، لتعرض على البرلمان في وجبة الوزراء الثانية، إلى جانب مرشحي الحقائب الثلاث الأخرى المتأخرة في الحكومة، الداخلية والدفاع والعدل. ولكن مرشحي الوزارات الأخرى مروا، فيما سقطت مرشحة المشروع العربي، بعدما فصلت بينها وبين الفوز نحو سبعة أصوات، ما عكس هشاشة التفاهمات السياسية التي يستند إليها الخنجر في علاقاته بالقوى الشيعية.

وعاد الخنجر ليقدم مرشحة ثالثة، وهي وصال العزاوي، الأستاذة المخضرمة في سلك التعليم الجامعي، التي سبق لها أن شغلت مواقع مهمة في مؤسسات جامعية بارزة. لكن رئيس الوزراء فاجأ الجميع خلال جلسة البرلمان الأخيرة، بتقديمه بمرشحة مغمورة، لم تعلن أي كتلة سياسية عن دعمها.

ولم يتوفر تفسير للسبب الذي دفع عبدالمهدي إلى هذا الخيار، لكن مصادر مطلعة تقول إن رئيس الوزراء ربما أيقن أن أي مرشحة يطرحها الخنجر على البرلمان، لن تمر، ما يعني أن الكابينة الوزارية ستبقى منقوصة، لذلك اختار مرشحة سنية للمنصب، لا تمثل أي طرف سياسي.

ولم يتردد البرلمان في تخييب ظن رئيس الوزراء العراقي، متمسكا بآليات التفاهم السياسي بين الكتل النيابية، التي تحكم توزيع الوزارات، إذ حصلت مرشحة عبدالمهدي على أصوات أقل من 30 نائبا، من بين 329 نائبا يشكلون البرلمان العراقي.

وتقول قيادات في المشروع العربي، إن تحالف البناء الذي يضم صقور الشيعة المقربين من إيران، لم يف بتعهداته السياسية مع الخنجر، الذي نفذ من جانبه جميع تعهداته. لكن القيادي البارز في حركة عصائب أهل الحق، نعيم العبودي، وهو عضو في البرلمان العراقي، قال إن القوى الشيعية في تحالف البناء دعمت مرشحتي الخنجر الأولى والثانية، بدلالة مرور الأولى في التصويت وحصول الثانية على 107 أصوات، بفارق بسيط عن حاجز العبور، مشيرا إلى أن الأطراف السنية هي من خذلت زعيم المشروع العربي.

ويقول النائب عن اتحاد القوى السنية، عبدالله الخربيط، الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، إن الخنجر ما زال يفكر بعقل المعارضة، ويتعامل مع شركائه من خارج الحدود، داعيا زعيم المشروع العربي إلى التفاهم بموضوعية مع الأطراف التي يحتاج أصواتها لتمرير مرشحته إلى حقيبة التربية.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن الخنجر أعاد تقديم اسم وصال العزاوي لرئيس الحكومة، من دون وجود ضمانات بأن الأخير سيقوم بعرضها على البرلمان.

وتقول المصادر إن أحزابا سنية قوية، على غرار اتحاد القوى بزعامة الحلبوسي، أبلغت عبدالمهدي رفضها ذهاب حقيبة التربية إلى الخنجر، بسبب الإمكانات السياسية والمادية الكبيرة التي تمتلكها، ما يطرح خيار إجراء تعديل وزاري، يجري بموجبه منح حقيبة أخرى إلى المشروع العربي، على أن تذهب وزارة التربية إلى طرف سني آخر، يرجح أنه الحزب الإسلامي، الذي يملك 10 مقاعد في البرلمان، ويشغل أحد أعضائه منصب وزير التخطيط في الحكومة العراقية.

واعتبر مراقب سياسي عراقي أن منح حقيبة التربية يتعلق بجانب سياسي وآخر اقتصادي، وإذا ما كان الجانب الاقتصادي واضحا من جهة المنافع الشخصية فإن الجانب السياسي يمكن التحقق منه من خلال عمليات غسل الأدمغة التي مورست من أجل تطبيع طرق وأساليب التوزيع الطائفي للشعب العراقي وهو ما يُراد منه خلق أجيال لا تؤمن بالعراق التاريخي وتعلي من شأن المرويات الطائفية التي تضع حدودا فاصلة بين المكونات التي لم يعد يعنيها سوى المطالبة بحصصها من الدولة، من غير التفكير في استعادة المواطنة والعمل على تكريس المساواة في ظل وطن واحد.

وشهدت وزارة التربية أثناء المراحل السابقة صفقات فساد تتعلق ببناء مدارس لا تزال غير صالحة للاستعمال. كما تم طبع الكتب الدراسية الجديدة في سياق تغيير النهج التربوي في إيران ولبنان في إطار عمليات خفية أدرت على أصحابها المليارات من الدولارات.

ويتقاتل السياسيون السنة على الفوز بتلك الوزارة الثرية في ما يمكن أن تدره من أموال على الفساد وفي ذهنهم أن يزايدوا على ولائهم لنظام المحاصصة الذي لن يسمح إلا باستمرار المناهج الدراسية التي تعلي من شأن العزل الطائفي والولاء لإيران.