يبدو أن الاتجاه الغالب في المواجهة الأميركية - الإيرانية أنها ستكون مديدة، بحيث أن على فريقيها وحلفاء كل منهما التهيؤ لإطالة محطاتها، إذا لم تحصل أي مفاجأة تغير منحى الأمور.

المستعجل على نتائج سريعة من هذه المواجهة، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان يأمل تفاوضا يبدأ هذا الصيف نتيجة تقدير بأن العقوبات على طهران ستأتي بها إلى الطاولة، بات يقول بدوره: " لسنا في عجلة من أمرنا للوصول إلى اتفاق مع إيران". وفي كل القضايا والمواجهات التي اختار العجلة في حصد نتائجها السياسية، عاد ترامب وتراجع عن ذلك لدرجة أنه يصعب تعداد المرات التي قال فيها إنه "لم أعد أو لست مستعجلا"، مع كوريا الشمالية، وفي شأن الانسحاب من سورية، وحول المفاوضات التجارية مع الصين، هذا فضلا عن الإشكاليات الداخلية المتصلة بالتعيينات في الإدارة وجدار المكسيك...إلخ. يسهل على ترامب التراجع عن مواقف سابقة بدت حاسمة.

أما خصمه الإيراني الذي بدا متعجلا قبل 3 أشهر على التفاوض، فاختار جلب ترامب إلى حلبته بتمرير الوقت، وهو بدا ناجحا في ذلك نتيجة عوامل عدة، لا تتصل بقوته بقدر ما تتعلق بمجريات الصراع الدولي، حتى إشعار آخر. إلا أن العامل الأبرز في هذا الشأن أن طهران اختارت استعراض قوتها العسكرية بعمل حربي عبر إسقاط طائرة الاستطلاع الأميركية فوق خليج عمان، مع خصم لا يريد الحرب. هذا وحده يعطيها هامش مناورة، طالما أن واشنطن امتنعت عن الرد العسكري.

تخفي العنتريات الأميركية بالقدرة على القيام بحرب سريعة، والعنتريات الإيرانية بالقدرة على هزيمة أقوى قوة عسكرية، مناورات في سياق لعبة تمرير الوقت، تمهيدا لتحسين شروط التفاوض مع إدارة المواجهة في الظروف الدولية والإقليمية الراهنة.

فالقيادة الإيرانية تعلمت من تجربة التفاوض بين كوريا الشمالية وترامب، بألا تقدم على فتح خطوط البحث الجدي قبل أن تحصل من الرئيس الأميركي على قرار بإلغاء ولو جزء من العقوبات عليها. ما أرادته بيونغ يانغ تجزئة الاتفاق على إنهاء برنامجها النووي على طريقة الخطوة خطوة. أي مقابل رفع بعض العقوبات إلغاء جزء من البرنامج، وصولا إلى الاتفاق الشامل، بموازاة خيار ترامب الإلغاء الكامل للبرنامج النووي مقابل التراجع الكامل عن العقوبات.

بالنسبة إلى إيران تبدو الأمور أكثر تعقيدا، لأنها لا تقتصر على تعديل الاتفاق النووي معها بل تمتد إلى الشروط الـ12 التي طرحها وزير الخارجية مايك بومبيو، والتي يتعلق معظمها بدورها الإقليمي وصواريخها الباليستية، أي بتجريدها من دورها الإقليمي الذي تطمح إلى تشريعه كما كان الأمر إبان حكم الشاه، لاسيما في المعابر المائية الدولية، فضلا عن امتدادها نحو البحر الأبيض المتوسط عبر سورية ولبنان وغزة.

أراد ترامب من امتناعه عن الرد على إسقاط الطائرة جملة أهداف أبرزها:

- قابل اشتراط طهران رفع العقوبات لبدء التفاوض، بتصعيدها لتطال المرشد علي خامنئي. وفي واشنطن من يتوقع أن يؤتي تشديد العقوبات ثماره أواخر الصيف بعد أن كان الأميركيون أملوا انهيارا اقتصاديا منذ الخريف الماضي، في حزيران (يونيو) الحالي، لم يحصل، على رغم الضيقة الكبيرة والمكابرة في إيران.

- "تسليف" الدول الأوروبية التي دعت إلى معالجة الحادث بالوسائل السياسية واعتماد الحوار، استجابته لموقفها، كي تلاقيه وتنضم إليه في تصعيد ضغوطها على طهران لحملها على الحوار وتقديم التنازلات. وهذا ما ظهر من مداخلات كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا في جلسة مجلس الأمن قبل يومين.

- استخدام حجة امتناعه عن الرد بعدما اعتبرت دول أعضاء في مجلس الأمن وخصوصا روسيا والصين، أن أي ضربة عسكرية أحادية لإيران مخالفة للقانون الدولي، من أجل دعوة هذه الدول إلى اتخاذ موقف إجماعي في الأمم المتحدة ضد إيران.

- إنه أحال مسؤولية حماية خطوط نقل النفط والغاز بعد اتهام طهران بالتعرض لناقلتين يابانيتين، وأخرى نروجية، إضافة إلى ناقلات سعودية وإماراتية، على الدول التي تستخدم مضيق هرمز لإحراجها ككي تقف معه في ضغوطه.

ويفترض أن يمتحن ترامب مدى اقترابه من هذه الأهداف في قمة العشرين في أوساكا.

يتصرف قادة "الحرس الثوري" على أنهم "مزعوجين" من العقوبات، لكن "الخناق لا يشتد علينا"، في لعبة عض الأصابع.

بات معروفا أن المدى الزمني الذي يسعى قادة "الحرس" للإفادة منه في هذه اللعبة هو الانتخابات الرئاسية الأميركية: يستغلون تجنب ترامب الخسارة التي يتعرض لها في حال انزلق إلى الحرب، كرادع عن خوضها، فيضربون بالواسطة حلفاءه في الخليج ويمتنعون عن إعطائه ورقة التفاوض حتى لا يربح منها أنه جلب إيران إلى الطاولة بشروط أفضل من شروط الديموقراطيين. وهم يواكبون كيف يبقي المجتمع الدولي على جرح اليمن مفتوحا، ويراهنون على تمكنهم حتى الآن من الالتفاف على العقوبات النفطية، ببيع جزء من إنتاجهم بالتهريب، ولو بأسعار مخفضة.